الجمعة، 5 أغسطس 2011


.

نظرية الفلاح بين الصوفية ونبي الأمة صلى الله عليه وسلم

ورد في صحيح مسلم / حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن أبي سهيل عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع وصيام شهر رمضان فقال هل علي غيره فقال لا إلا أن تطوع وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفلح إن صدق )
في البدء هناك أسئلة أود طرحهما ببساطة :
-      من هو الشاهد والمُقر بالفلاح هنا ؟
-      ما هو الفلاح المقصود هنا ؟
-      ما هي متطلبات الفلاح والتي عرضها خير البشر ورسول رب البشر إلى الأمة ؟
-      ما هي غاية البشر من وجودهم وسبب خلقهم ؟

لا شك عندي وعند غيري أن الإجابات بسيطة بساطة الأسئلة ونوردها بكلمات قليلة واضحة لا لبس ولا فلسفة كلامية فيها :
-      الشاهد والمُقر هو رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم .
-      الفلاح هو رضا رب العباد ودخول جنته .
-      المتطلبات أركان الإسلام الخمسة كما يفهما ويمارسها أي إنسان بسيط (كهذا الإعرابي) , ولو قصد نبينا الدخول في فلسفات ومتاهات لفظية وتعقيدات عبادية لنيل الفلاح لشرحها له ولغيره من الحاضرين .
-      غاية البشر من حياتهم الدنيا (الفلاح) في الأخرة .

انتهت القضية

فلنتفق أولا أن المسلم سواء أكان عاميا أو مثقفا مزارعا أو ملكا غنيا أو فقيرا , وبغض النظر عن انتمائه ومذهبه وفكره (عدا ما يُخرج من الملة) , كلهم ينشدون ( الفلاح) يوم القيامة ودخول الجنة , والطريق المرسوم للوصول لهذه الغاية لم أضعها أنا أو الصوفية أو العلماء أو المفكرين , بل وضعها صاحب الرسالة ومن لا ينطق عن الهوى كما ورد في الحديث السابق .

سؤال بحجم الفلسفات المهولة والطُرق والمراتب والمنازل والرقصات والأسرار والهمهمات وتأليه البشر للبشر والانحناء لهم , وربما السجود وتقبيل الأرجل والأكف والبكاء والعويل والتمرغ في الأرض في حضرة رجل ما .

ما الذي نحتاجه لـ(الفلاح) يوم القيامة ما نطق به خير البشر وصاحب الرسالة أما سُطر ونُظر في مئات الكتب الصوفية من طلاسم وأسرار ومراتب ومسميات وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان وتشنجات والتمرغ والرقص في حضرة إنسان الله أعلم بدواخله ؟
فمثلا ( القطب ) هل هو أعلم من رسول الهدى في رسم طرق (الفلاح) ؟
تأملوا هذه العبارة : 
( القطب، وهو الغوث : عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان ومكان، وهو على قلب إسرائيل عليه السلام ) .
اولا ما معنى موضع نظر الله ؟ هل يعني أن الله لا يرى العالم إلا من خلاله ؟ أو أن الله لا ينظر إلا له من دون البشر ؟ في كلا الحالتين هذا ضد كل ثقافتنا الدينية عن الله والعالم كما جاء في القرآن والسنة .
ثم لماذا ( إسرائيل بالذات ) لماذا لا يكون ( محمد ) ؟

ثم تأملوا هذه الطامة التي تخالف بساطة وروح الإسلام النقي الواضح الذي قال عنه رسول الهدى (تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ)  هل ( المحجة البيضاء ) هي هذه التقسيمات والأسرار التي تعصى على عامة المسلمين وربما خاصتهم :

(الإمامان: هما شخصان، أحدهما عن يمين الغوث ونظره في الملكوت، والآخر عن يساره، ونظره في الملك، وهو أعلى من صاحبه، وهو الذي يخلف الغوث.
الأوتاد: عبارة عن أربعة رجال منازلهم على منازل أربعة أركان من العالم: شرق وغرب وشمال وجنوب، مع كل واحد منهم مقام تلك الجهة.
البدلاء: هم سبعة، ومن سافر من القوم من موضعه وترك جسدا على صورته حتى لا يعرف أحد أنه فقد، فذلك هو البدل لا غير، وهم على قلب إبراهيم عليه السلام.
النجباء: أربعون، وهم المشغولون بحمل أثقال الخلق فلا يترفون إلا في حق الغير.
النقباء: هم الذين استخرجوا خبايا النفوس، وهم ثلاثمائة)  , هذا النص (بالنسبة لي ) اشبه بقصص ألف ليلة وليلة وقصص الخرافات القديمة و وربما طلاسم يصعب فهمها للكثير من المسلمين , هذه النصوص كيف لنا أن نشرح فحواها لو سألنا عنها غير المسلم لو أراد الدخول في الإسلام وكان مثقفا وقرأ بعضها ؟ , تخيلوا معي لو قرأ الحديث ( أفلح إن صدق ) ثم قرأ هذه الشروحات والفلسفات الصوفية ! كيف يكون موقفه من تقبل الإسلام  .

لن نورد المزيد من هذه النصوص الصوفية فلا حاجة لنا بمثلها , نحن بحاجة للمحجة البيضاء التي وصفها رسول الهدي , وبحاجة لخطة ( الفلاح ) التي وصفها خير البشر بكل بساطة ووضوح وبلسان عربي مبين  .

في النهاية ربما يقول العض ( كونك لم تفهمها ولم يكتب الله لك بالرقي والعلو والسمو لتفهمها لا يعني أنها خاطئة , فالقصور في فهمك ) , أقول وما فائدة هذا العلم وهذه الفلسفة والطلاسم والتقسيمات والمراتب والطقوس والأسرار إذا لم يفهما عامة المسلمين , واقتصرت على خاصة الخاصة منهم , هل عرفوا هم طريق ( الفلاح ) ونحن تهنا عنه ؟ هل نضرب بكلام محمد صلى الله عليه وسلم  ونأخذ بتعليمات وأسرار ( القطب ) ؟
هل نأخذ الدين الذي هو كـ(المحجة البيضاء) من قال الله وقال الرسول أم نأخذه من كتب الطلاسم والأسرار والمنازل والرتب ؟

أخيرا ...
أنا لست ضد الصوفية ولا تهمني تعاليمهم وأسرارهم وكتبهم , ولكني كمسلم أفضل طريق (الفلاح) والنجاة بطريقة محمد البسيطة الواضحة البيضاء على تلك الطرق التي تأخذني إلى عوالم خرافية ومتاهات فلسفية تخدر عقلي وتقذف بتفكيري إلى ملكوت خارج الواقع ,,
ولو اردت طرح نصوص صوفية هنا لطال بي المقام ولن أجد وقتا لحصر تلك النصوص الخارجة عن واقع المسلم والمحلقة في فضاءات الخيال والخرافة .

.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــ

الفتنة الكبرى وتحرير العقل

الفتنة الكبرى وتحرير العقل
ربما تكمن المشكلة الحقيقية في مسألة التشيع أنها مرتبطة أساسا (خاصة في الفكر السياسي الديني) بإيران أو بالطموحات  السياسية الإيرانية وبما يعرف بنظرية تصدير الثورة , والعالم ولا يمكن أن ترى حركة تشيع  في أي مكان ولا تجد الأصابع الإيرانية خلفها , وأصبح المسلم العامي لا يفرق بين حركة التشيع وبين معممي إيران , وربما لأهداف سياسية ودينية حرصت بعض الجهات وخاصة في عصرنا الحالي بتأجيج وتسليط الضوء على الأصابع الإيرانية خلف أي حركة شيعية , ولو أن ذلك غير بعيد , إلا أن من أكبر أخطاء الشيعة العرب هو تطفلهم على الثقافة الشيعية الإيرانية شكلا ومضمونا , فأوجدت لها مقاومة تلقائية من قبل المجتمعات العربية بمجرد هذا الربط الأيدلوجي , وبالرغم من انتماء الفرس للإسلام عقيدة ومنهجا إلا أن الكثير من مخالفيهم مازالوا يصفونهم بـ( المجوس ) وكأن انتماؤهم للعقيدة الإسلامية لم يشفع لهم من الخروج من عباءة التاريخ الفارسي .
وفي كل رمضان تتنافس القنوات الشيعية المتخصصة في الدفاع عن العقيدة الشيعية والقنوات المتخصصة في الدفاع عن عقيدة السلف في إثارة قضايا مختلفة تدور حول المعتقد الشيعي والسلفي حول بعض القضايا , ولا شك أن لبعضها قاعدة جماهيرية كبيرة خاصة في رمضان مما حداها لاستغلال فرصة هذا الشهر الكريم كل عام واستثمار البرمجة المسبقة لدى الكثيرين انتظارا لمثل هذه البرامج كل رمضان , وهناك حقائق ربما تكون صحيحة بداية فمثلا أن عامة المسلمين سنة وشيعة لا يفهمون أو لا تتضح لديهم الكثير من مداخلات الفريقين ومساجلاتهم التاريخية والبحثية حول تلك العقائد لولا تلك القنوات , فمثلا ظهور التشيع وحقيقة الفتنة الكبرى وما حصل تحديدا في زمن عثمان رضي الله عنه وإرهاصات ما قبله وبعده من أحداث هي غائبة عن عقول عامة المسلمين , وربما  لا نبالغ لو قلنا أن عامة المسلمين من السنة يربطون بين التشيع وبين إيران الفارسية ويعتقدون أن إيران تخطط عن طريق التشيع وتصدير ثورتها الشيعية للعالم الإسلامي لاحتلال هذا العالم الإسلامي السني وضمه تحت عباءة ملالي إيران , وكذلك الشيعي لا يرى في السنة إلا عقيدة تريد سلبهم ما يؤمنون به من ولاء لملاليهم الذين حشروا في فكرهم مجموعة من المعتقدات التي تربوا عليها ووجدوا أباءهم  لها عاكفون , وقليل جدا من كلا الفريقين من يملك بعض الثراء الفكري حول تلك الأمور وخاصة في زمن الفضائيات والأنترنت , أما الأغلبية الساحقة كما قلنا فتغلب عليهم التخوفات العامة التي لا يدركون دقائقها وحيثياتها  .

فحقيقة ظهور التشيع وخفايا الفتنة الكبرى وما أدت إليه حتى وقتنا الحاضر من تداعيات هي تفاصيل لا تعيش إلا في عقول وفكر العلماء والمفكرين والباحثين في كلا الفرقتين , وربما من آثار الزخم الإعلامي الحديث واتساع عصر الفضائيات سهل على تلك الفئة التواصل والتحاور وحتى التناحر حول تلك الأفكار وبعثها من مراقدها التاريخية لتطل بوجهها المتجهم على عامة المسلمين , وأصبح المسلم العادي الثقافة يتابع ويفهم ويخضع لكل ما يتلقاه من كلا الطرفين كل حسب تقبله لعقيدة الآخر وحسب اتجاهه العقدي , وربما انحاز لفريق دون الآخر بغض النظر عن قناعته الشخصية أو قوة طرح أحد الفريقين فهي أشبه بصراع حضاري بين فكره الخاص وفكر الآخر , فينتصر لفكره بغض النظر عن قوة حجة الآخر , فهنا قام النخبة من المفكرين والمؤرخين والعلماء  بحقن العامة بجرعة مكثفة وقوية من الأفكار والمعتقدات والأدلة والحجج  التي ربما لا يستوعبها المسلم العادي , ولا تكون النتيجة إلا مزيد من رفض الآخر , فالمسلم البسيط يتفاعل مع حوارات واختلافات وربما تطاول البعض على البعض بأنواع من الشتائم المقنعة والتجهيل والتسفيه والمبالغة في التغليط فيجد نفسه منساقا تلقائيا للانتصار لممثلي فئته حتى ولو لم يفهم شيئا من ذلك الحوار , وربما تكون النتيجة مزيدا من التمزق والتشرذم بين عامة المسلمين كما نجده عبر كثير من المنتديات المتخصصة .
وهنا نتساءل : هل هناك جدوى من إثارة تلك الأفكار المعقدة ونخرجها من رؤوس الباحثين ونلقي بها للعامة والذين ربما يجدون أنفسهم تائهين بين ذلك الركام الهائل من المناقشات والأفكار والأدلة والأدلة المضادة وهم لا يفقهون شيئا من أبجديات علم التاريخ أو الحديث أو التفسير وغيرها مما يطرح عبر تلك البرامج , ثم تكون النتيجة أن العامة لا يخرجون من تلك الحوارات إلا بمزيد من رفض الآخر كأقصر طريق للفهم ولثقته المطلقة برموز مذهبه حتى لو كانوا على خطأ ؟
وهنا يبرز السؤال الأكثر أهمية وهو أيهما أجدر الخوض في تلك الأحداث ووجوب كشف الحقيقة عنها  أم تركها في عقول الباحثين والنظر إليها كفتنة (لعن الله من أيقظها) , ( ولو أن الملاحظ على باحثي الفرقتين أنهم لم ولن يصلوا إلى كلمة سواء كما يتضح منذ عدة سنوات لخوضهم في هذا الموضوع , بل كل عام تولد أسئلة جديدة ودراسات جديدة وتتعمق ثقافة الرفض وثقافة الهجوم والهجوم المضاد , والأهم أن نار السياسة لا تدع مجالا لأي تقارب ممكن , فإيران قائدة الجناح الشيعي مازالت تعبث بسياستها جهرا وخفاء عبر المجتمعات السنية والإعلام السني لا يتوانى عن مهاجمة إيران ليل نهار ويقاوم التيارات الشيعية في مجتمعاتها  لما لديها من قناعات بانتمائها الفارسي أولا وأخيرا )
والسؤال الآخر : أليس من الأفضل أن توحد تلك القنوات شيعية وسنية جهودها نحو التقارب والوصول لنقطة وسطية كأقصر الطرق لتوحيد كلمة المسلمين ؟
إن وضع خطة طريق لكلا الطرفين للتعايش السلمي ليست عقبة كأداء لو نظرنا للأمور ببساطة وإخلاص في النية وتطهير الغاية والوسيلة من أي أطماع أخرى , والقاعدة القرآنية تقول (لكم دينكم ولي دين) , فليعبد الشيعة الله كما يريدون وكما يأمرهم الكتاب والسنة وحسب شروحات أئمتهم وملاليهم, وليعبد السنة الله كما يريدون وكما يأمرهم الكتاب والسنة وحسب شروحات أئمتهم وعلمائهم , ولكن تبقى نقطة مهمة يجب الالتقاء عنده حتى يستقيم الأمر لكافة المسلمين للتعايش المثمر والبناء ألا وهو تنقية كتب المذاهب جميعها من أطروحات التكفير ونقد الآخر تماما , ففي بعض كتب الشيعة مثلا  تكفير لأهل السنة وسب لرموز إسلامية من صحابة وأمهات للمؤمنين لا يمكن أن يسكت عليها مسلم صادق الإسلام , وهي ليست من جوهر مذهبهم ويمكن التخلص منها , أما بالنسبة لنظرتهم للإمامة ومكانتها فليؤمنوا بها كما يشاءون , وكذلك نظرتهم للمهدي والأئمة وتقديسهم ذلك لا يظيرنا في شيء إلا مقولتهم بأنه سيأتي ليقتل العرب لما فيها من تكريس للنظرة العنصرية والإيحاء بأن الفرس وضعوها كنوع من الحقد التاريخي للعرب , وهذه يمكن لهم تركها لهدف أسمى وهو توحيد الصف الإسلامي , وكذلك بعض كتب السنة إن وجدت ككتب مستقلة أو حذف الإشارات الواردة حول تكفير الشيعة , هنا يمكن لنا التقارب حول كتاب واحد وسنة واحدة ونجعل الاختلافات البسيطة في عقولنا وليست على ألسنتنا ووسائل إعلامنا .
ولا شك أن العالم الإسلامي أحوج ما يكون حاليا ومستقبلا لتوفير جهوده وطاقاته نحو توحيد كلمته ولم الصف والاتجاه نحو التحديات الحضارية الحقيقية وليس النظر للوراء واسترجاع التاريخ واستخراج أدوات التقاتل وبث الفتن وتقديم أسلحة مصطنعة وغير حضارية ليشغل الدهماء والبسطاء وحتى المفكرين من الخوض في ساحات الفكر والثقافة وربما حتى ظهور حروب على أرض الواقع من مجرد البحث عبر سراديب التاريخ وغرفه المظلمة أحيانا والمضيئة أحيانا أخرى عن أدوات الدمار والشقاق والفتن , وما يثيره أولئك البعض من الباحثين ربما لا تستوعبه عقول البسطاء  فلا يجدون مهربا من جهلهم إلا مزيدا من البغض والنقد والشتم للآخر .
ونحن في عالمنا العربي نقبع تحت تحديات جديدة علينا وأحداث مبهرة سريعة بالنسبة لمسيرة التاريخ , وما نشهده من أحداث عبر عالمنا العربي لم يسبق للتاريخ أن ذهل بمثلها , فأنظمة تتبدل وشعوب تصحو ومراكز قوى تموت وأخرى تنشأ , هذا التاريخ لم يشهد من قبل أن تسقط أنظمة ديكتاتورية خلال أيام ولا أن تقلب صيحة مواطن هنا أو هناك عبر وسيلة الكترونية أو عبر صورة في فضائية وجه المجتمع بأكمله , ولا يمكن للتاريخ أن ينسى  وجه حسني مبارك أقوى رجال الشرق الأوسط وخلال أشهر قليلة ينتقل من كرسي قصر القبة لزنزانة في محكمة , إن التاريخ لا يرحم ويقدم مشاهد لا يمكن أن تمر على ذي لب من غير أخذ عبرة أو قراءة مصير أو تغيير لواقع  .
نحن اليوم أحوج ما نكون لالتفات لواقعنا ومستقبلنا  وأن نجد لنا موطئ قدم عبر هذا العالم بعيدا عن النبش في تاريخ مضى وانقضى بكل عيوبه وإيجابياته , وأولئك الموتى ليسوا بأجدر من هؤلاء الأحياء الذين يبحثون عن الخبز والكرامة والحرية لوضع حد لمعاناتهم وإرساء روح العدالة الاجتماعية بينهم , إن واقعنا العربي أهم وأجدر من الالتفات إليه لمحاربة الفساد وانهيار البنى التحتية وتضخم الثروات في يد البعض بينما يموت البعض باحثا عن لقمة عيش أو قليل من كرامة , عثمان وعلي ومعاوية وعائشة رضي الله عنهم أجمعين هم بين يدي جبار السموات والأرض ولن يستطيع فلان أو علان  تقديم شيء لهم , فرب العباد قال فيهم ما قال في قرآنه الكريم  وهو الحق بمحاسبة كل نفس بشرية , ولن يصلهم لعن البعض ولا الانتقاص من مكانتهم الدينية والدنيوية , إن المتمسكين بهذه الفتن وإثارتها ليسوا بحريصين على ذلك إلا لأهداف دنيوية أو مادية أو سلطوية , كما أن الوصول لعقول الدهماء والبسطاء ليس من السهولة بمكان إلا عن طريق المالكين لتلك العقول , وهم حريصون على تملكها وقيادتها لما يخدم مصالحهم الدنيوية فقط , ولا يمكن تحرير تلك العقول إلا بالعلم والاطلاع بعيدا عن تلك القيود التي ولدوا عليها .

 ــــــــــــــــــ

ردا على أسامة فوزي ( رئيس تحريرعرب تايمز) .



بدأ الأستاذ الجليل مقالته ذات النظرة الأحادية والتي يشوبها الكثير من علامات الاستفهام والتجاهل التام للتراث العربي وخصائص الثقافة واللغة العربية بالتالي (تاريخنا يا سادة كله جنس وغزل فاحش ولواط وخصيان .... ويندر ان تجد صفحة في كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني لا ......... إلى أخر المقال من بذاءات لا يمكن نشرها بهذه الصفاقة والفحش والأدب !!) .
ثم يسترسل بلغة بذيئة لا يمكن لمثقف أو حتى قارئ عادي من الاسترسال في قراءة وليس كتابة مثل تلك البذاءات الموتورة والمتجنية على لغتنا وثقافتنا العربية من وصف للغائط وأنواع الأعضاء التناسلية وأسماءها حتى لدى الحيوانات وأوصاف لأوضاع جنسية مخجلة , وعلى افتراض وجود شيء من الحقيقة في جزئية من طرحه , كان ينبغي أن يتأدب مع القارئ ويطرح فكرته بشيء من الأدب واحترام الذوق العام وتقدير مسئولية الكلمة , فكل إناء ينضح بما فيه .
أنا لن أناقش الكاتب فيما ذهب إليه ولكن أحب أن أذكره بما غاب عنه أو بما اجتزأه من ثقافتنا العربية وتراثنا وقصر نظرته على ما يراه هو من اهتماماته التي لاقت استحسانا في ثقافته ,
الكاتب هنا وبكل تجني وكذب يورد أن علماء اللغة العربية لم يشغلهم شاغل إلا تلك البذاءات ويزيد في تجنيه أن الأمة العربية هي الوحيدة على وجه الأرض وعبر التاريخ التي اهتمت بالعضو التناسلي ووصفته ووضعت له أسماء , ونسي الكاتب أو تناسى أن هناك بعض شعوب أسيا جعلت من العضو الذكري إلها يعبد وأن كل الثقافات الإنسانية تناولت الأعضاء التناسلية ومسألة العلاقة بين الرجل والمرأة دون استثناء , ولكن الفرق الوحيد الذي تناساه الكاتب أن العرب أمة (اقرأ) وأن معجزتها اللغة والأدب , لقد تناسى الكاتب أن أمة العرب هي أغنى أمة من حيث اللغة ومترادفاتها ومسميات الأشياء وأوصافها , فهل توجد أمة على وجه الأرض وعبر التاريخ ماثلت العرب في أدبها وخطابها اللغوي وغنى وثراء لغتها ؟ , الأمة العربية في تراثها لم تقتصر على العضو التناسلي والغائط كما أدعى الكاتب وطعنها عامدا متعمدا في أغلى ما تملك وتفاخر , ولا يمكن لأي كان أن يورد أمثلة على ذلك عبر مقالة قصيرة , بل أن الموضوع يحتاج لعشرات المقالات , وسأحاول هنا أن أختصر قدر الإمكان في طرحي .
لن تجد ولن يوجد ثقافة عبر التاريخ ماثلت الثقافة والتراث العربي في جزالة اللغة وثراء الأسماء والأوصاف , لقد أرسل الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة تتناسب مع ما نشأت عليه العرب وما تجيده ألا وهي اللغة والفصاحة وجزالة القول , وكلنا يدرك أنه لا توجد ثقافة إنسانية ماثلت العرب في اهتماماتها بالخطب والمواعظ , وكم تفنن العرب في خطبهم القصيرة منها والطويلة (قيل أن عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما صعد المنبر فاستفتح فلم يفتح له ثم استفتح فلم يفتح له فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن أي مركب أوله صعب فاتقوا الله وأقيموا الصلاة .... وانتهت هذه الخطبة لتصبح أقصر خطبة وأعظم خطبة عرفها التاريخ ) , ولا حصر للخطب الطويلة والعظيمة في تراثنا العربي , ويحكى أن أقصر خطاب سياسي أرسله حاكم عربي وفيه يقول : (أيّها القاضي بقم، قد عزلناك فقم) . ولا حصر لمثل هذه الأمثلة .
أما أسماء الأشياء وصفاتها فلم تقتصر على تلك السخافات التي أوردها الكاتب وكأن التراث العربي توقف عنده وكأنها أمة هاجسها الجنس والقذارات ( وهذا ما يفهمه أي جاهل بتراث العرب لو قرأ مقالته ) , ويمكن أن نورد أمثلة بسيطة جدا رغم ثرائها إلا أنها لا تذكر أمام التراث الأدبي الحقيقي للعرب مثل :
- يذكر الثعالبي في فقه اللغة عن النخلة : (إذا كانت النخلة صغيرة فهي الفسيلة والودية فإذا كانت قصيرة تتناولها اليد فهي القاعدة فإذا صار لها جذع لا يتناول منه المتناول فهي جبارة فإذا ارتفعت عن ذلك فهي الرقلة والعيدانة فإذا زادت فهي باسقة فإذا تناهت في الطول مع انجراد فهي سحوق).
وعن صفات النخلة فهي إذا كانت على الماء فهي كارعة ومكرعة فإذا حملت في صغرها فهي مهتجنة فإذا كانت تدرك في أول النخل فهي بكور فإذا كانت تحمل سنة وسنة لا تحمل فهي سنهاء فإذا كانت بسرها ينتثر وهو أخضر فهي خيرة فإذا دقت من أسفلها وانجرد كربها فهي صنبور فإذا مالت فبني تحتها دكان تعتمد عليه فهي رجبية فإذا كانت منفردة عن أخواتها فهي عوانة.

- أسماء السيوف العربية

يوجد في اللغة العربية 300 اسم للسيف وكل اسم له معنى ..

ومن ذلك:
_ الصمصام: السيف الذي لاينثني ..
_ البارقة: السيف الذي له بريق ..
_ الذالق: السيف سلس الخروج من الغمد ..
_ الذكر: السيف المصنوع من الصلب ..
_ المشمل: سيف صغير يشتمل عليه الرجل بثوبه ..
_ صفيحة: السيف العريض ..
_ حسام: السيف القاطع لأنه يحسم الدم أو يحسم العدو أو يقطعه عن منازله ..
_ المفقر: السيف الذي في متنه حزوز ..
_ القشيب: سيف قريب العهد ..
_ الأرقب: اليف غليظ المتن ..
_ الدائر: السيف الذي قدم عهده باالقتال ..
_ بلارك: من سيوف الهند النفيسة ..
_ الدوان: السيف الذي لايقطع ..
_ الساذج: السيف الذي لانقش على نصله ..
_ مهد: السيف الرقيق ..
_ اللهذام: السيف الحاد
- أسماء المطر ودرجاته عند العرب
والرَّذاذ : السَّاكن الصَّغير القطر كالغبار
والطَّلُّ : أخفُّ المطر وأضعفه
الرَّشّ والطَّشّ : أول المطر
والدِّيمة : المطر الذي يدوم أياماً في سكون بلا رعد وبرق
والمُزْنَة : المطْرة
والنَّضْح والبَغْش والدَّثُ والرَّكّ والرِّهْمَة : أقوى من الرذاذ
والهَطْل والتَّهْتَان : المطر الغزير السُّقوط
والغَيْث : الذي يأتي عند الحاجة إليه
والحَيا : الذي يُحيي الأرض بعد موتها
العُباب : المطر الكثير
والوابِل والصَّنْدِيْد والجَوْد : المطر الضَّخم القطر الشَّديد الوقع
والوَدْق : المطر المستمر
وحَبُّ المُزن وحبُّ الغَمَام : البَرَد .
الحميم : المطر الصيفي العظيم القطر والشديد الوقع
الوليّ : المطر بعد المطر

- من مُسَميّات الخيل عند العرب

بلغ من عناية العرب بالخيل أن أطلقوا على كل ما يتصل بهما اسماً، شمل أطوار حياتها وأصواتها ومشِّيها وعَدْوها، ولم تقاربهم في ذلك أي لغة أخرى. ومن ذلك ما أطلقوه على:
مراحل العمر
يسمى وليد الفرس أول ولادته"مُهراً"، ثم"فُلْواً". وبعد أن يبلغ من العمر سنة واحدة فهو"حَوْلي"، ثم في الثانية يسمى"جَذْعاً"، والثالثة"ثِنْيِاً"، فإذا أتم الثالثة ودخل الرابعة سمي"رَباعاً"، وفي الخامسة"قادحاً"، حتى يبلغ الثامنة، وهي نهاية القوة والشدة، ثم يأخذ في النقص إلى الرابعة عشرة، فإن تجاوزها إلى نهاية عمره يسمى"مُذَكّى". وعلامات هَرَم الخيل استرخاء جحفلتها (شفاهها)، واختفاء أنيابها، وأغورار عينيها.
المشي والعدو
وكما أطلق العرب أسماء على مراحل عُمْر الخيل، أطلقوا كذلك أسماء تصف أنواع مشيها وعَدْوها وجريها. فمن ذلك
الضّبرُ: إذا وثب الحصان فجمع يديه.
العَنَقُ: السير السريع، إذا باعد بين خطاه وتوسّع في مشيه.
الهَمْلَجة: إذا أن قارب بين خطاه، ومشى في سرعة وبَخْتَرَةٌ.
الاِرْتِجال: إذا راوح الفرس بين العَنَقِ والهَمْلَجة.
الخَبَبُ: إذا قبض رجليه وراوح بين يديه، واستقام جريه.
التقدي: إذا خلط العَنَقَ بالخبب.
الضَّبْعُ: إذا لوي حافريه إلى عضديه، وأسرع في سيره.
التَقْريب:إذا كان أثناء جريه يضع يديه ويرفعها في آن واحد، وهو ضربٌ من العدو.
العُجيلي: إذا جمع في جريه بين التَقْريب والخبب.
الإمجاج: أن يأخذ الفرس في العدو قبل أن يضطرم.
الإحْضَار: أن يعدو عدواً متداركاً، يتبع بعضه بعضاً.
الإرخاء: أشد من الإحضار.
الإهذاب: أن يضطرم في عدوه.
الإهماج: هو قصارى جهد الفرس في العدو.
وعلى ذلك يكون ترتيب العدو كالآتي: الخبب، فالتقريب الإمجاج، فالإحضار، فالإرخاء فالإهذاب، ثم الإهماج.
وهناك عددٌ من الألفاظ تُحدث أصواتاً يتواصل بها الفارس مع جواده. وهي تشملُ ألفاظاً للزّجر والإقدام والسّكون والحث على العدو وما إلى ذلك. ومما استعملته العرب في ذلك: يَهْياه، وهَلْ، وأرحب، وأقدم، وهب. وكان يُقال في تهدئة الفرس وكفه عن الحركة والمرح: هلاّ. ويفهم الجواد الأصيل كل إشارة أو صوت يصدر من صاحبه، كما يفهم الصفير عند شرب الماء. وقالوا في ذلك "عاتبوا الخيل فإنها تُعْتُب"، أي أدبوها فإن فيها قوة تُدرك بها العِتَاب أمراً ونهياً.

أسماء أصوت الخيل

أطلق العرب على أصوات الخيل عدداً من الأسماء، مستمدة من طبيعة الصوت. فهي وصف له قوة وشدة، نشاطاً ومرحاً، حنقاً وغضباً وما إلى ذلك، مما يؤدي إلى تمثيل الصّوت في الاسم والإحساس به. فمن هذه الأسماء:
الشّخير: إذا خرج الصوت من فم الفرس.
النخير: إذا خرج الصوت من المنخرين.
الكرير: إذا خرج الصوت من الصّدر؛ وينقسم الكرير ثلاثة أقسام: أجش، وصَلْصَال، ومُجَلْجِل.
الصّهيل: وهو صوت الفرس في أكثر أحواله، خاصة إذا نَشِطَ.
الجَلْجَلة: أحسن أنواع الصهيل. وتخرج صافية مُسْتَدقَة.
الحَمْحَمْةُ: وهي صوت الفرس إذا طلب العلف، أو رأى صاحبه فاستأنس به.
الضَبْحُ: وهو صوت نَفَسُ الفرس إذا عدا، وقد ذكرها القرآن الكريم. وهو ليس بصهيل ولا حمحمة
النَثِيرُ: صوت الفرس إذا عَطَسَ.
البَقْبَقْةُ: الصوت الذي يخرج من جوف الفرس.
القبع: صوت يردده الفرس من منخره إلى حلقه، إذا نفر من شيء أو كرهه.
الجشّة: صوت غليظ كصوت الرعد.
أسماء الخيل في السباق
كانت العرب قديماً تُرْسِل خيل السباق مجموعات، تتكون كل مجموعة من عشرة خيول. ويسمى مكان السباق المِضْمَار، وكانوا يضعون عند آخر نقطة منه الجائزة على رؤوس قصب الرّماح؛ ومن هنا جاء قولهَم: "حاز فلان قصب السبق"، فمن وصل الجائزة أولاً أخذها.
وكانوا يرتبون الخيل في السِّباق، حسب وصولها إلى نهاية المِضْمَار، على النحو التالي:
السّابق أو المبرِّز أو المُجَلِّي، أولها وصولاً، ويمسحون على وجهه. ويقال إنه سمي "المُجَلِّي" لأنه جلّى عن صاحبه ما كان فيه من الكرب والشدة.
"المُصَلِّي"، الثاني وصولاً، لوضع جحفلته (شفته) على مؤخرة الفرس السّابق.
"المُعَفّى" و"المُسَلِّي"، الثالث وصولاً، لأنه سلَّى عن صاحبه بعض همه بالسبق حيث جاء ثالثاً.
"التالي"، الرابع وصولاً، لأنه يلي المُسَلّي.
"المُرْتَاح"، الخامس وصولاً، لأن راحة اليد فيها خمس أصابع.
"العاطف"، السّادس وصولاً، فكأنّ هذا الفرس عطف الأواخر على الأوائل، أي ثنَّاها.
"البارع"والحظي"، السّابع وصولاً، لأنه قد نال حظّاً.
"المؤمّل"، الثامن وصولاً، لأنه يُؤَمّل وإن كان خائباً.
"اللطيم"، التّاسع وصولاً، لأنه لو أراد أن يدخل الحُجْرة، التي هي نهاية السّباق، لُطِم وجهه دونها ومُنع من دخولها، أو لأنهم كانوا يَلْطمون صاحبه.
"السُّكيت"، آخر الخيول وصولاً، وسُمي كذلك لأن صاحبه تعلوه ذلة وحزن ويسكت من الغم، وكانوا يجعلون في عنق الحصان العاشر حبلاً ويحملون عليه قرداً، ويدفعون للقرد سوطاً فيركضه القرد، ويُعيرّ بذلك صاحبه. 

أسماء عتاق الخيل
حُظيت عتاق الخيل (أي كِرامها وذوات النسب الأصيل منها) في كلام العرب، بنصيب وافر من الأسماء، التي تدل على عتقها وكرمها؛ من ذلك:
اللهْموم: وهو الحصان الجيد الحسن الخَلْق، والصّبور في العدو، الذي لا يسبقه شيء طلبه، ولا يدركه من جرى خلفه.
العَنْجُوج: الجيد الخَلْق، الحسن الصورة، فيه طول.
الهَذْلول: الطويل القوي الجسيم.
الذيّال: الطويل الذيل.
الهيكل: العظيم الخَلْق، الحسن الطّلعة.
النِّهد: الجواد العظيم الشديد الأعضاء، عظيم الجوف.
الجَرْشع: العظيم الخلْق الواسع البطن.
الضّلوع والخارجي: الجواد العتيق، بين أبوين هجينين.
البحر: الكثير الجري الذي لا يصيبه التعب، وأول من أطلق هذا الاسم على الخيل الرسول .
المُسَوّم: الذي لديه علامة ينفرد بها عن غيره.
السّابح: الذي يرمي يديه قُدماً إذا جرى.
المُطَهّم: التام الحسن الخَلْق.
المُجنَّب: البعيد ما بين الرّجلْين من غير اتساع.
الجموح: النشيط السّريع.
الهضب: كثير العرق.
الشّطب: الحسن القد.
العتيق والجواد: إذا كان كريم الأصل رائع الخَلْق.
المُعْرِب: إذا لم يكن فيه عِرْق هجين.
الطّموح: ما كان سامي الطرف حديد البصر.
السّكب: الخفيف السريع الجري، وبه سُمي أحد أفراس الرسول صلى الله عليه سلم.
ومن أسماء الخيل المستمدة من أوصافها أيضاً:
الصَّافِنات: جمع صافن، والحِصان الصّفون هو الذي يرفع إحدى قوائمه، ويضع سنبكه على الأرض ويقوم على ثلاث قوائم ليستريح بها.
الأعوجية: منسوبة إلى خيل كرام كانت في الجاهلية، منعوتة بالكرم والسّبق.
مُقْرب ولاحِقُ وأعْوجُ وداحس و ذو العُقّال وغُرِاب ومُذْهَبُ ووَجِيُه،وكلها خيول كرام كانت في الجاهلية، ونسبت إليها كرام الخيل.
العناجيج: واحدها عنجوج. ويقال فرس عنجوج كريم وسابق.
ولا يقال فاره إلاّ للحمار والبغل والبعير. ويُقال فرس جوادٌ للكريم، ونَهْد للعالي، وطَمْر للسريع الوثب، ومثله طمُوح، وسَابح، وسابحة للأنثى، ويُقال فرس عالي التّلِيل أي طويل العنق مرتفعه، و(التليل العنق).
ألفاظ الذم
أطلقت العرب على عيوب الخيل، الجسمية وغيرها، مسميات خاصة تدل عليها؛ فمن ذلك:
الفرس الأسفي: هو قليل شعر الناصية. (الناصية مقدَّم الرأس أو شعر مقدَّم الرأس إذا طال، وسميت بذلك لارتفاع منبتها؛ قال تعالى: كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (العلق: 15-16)
والأغم: الذي يَكْثُر شعر ناصيته، حتى يغطي عينيه.
الأزور: الذي دخلت إحدى صفحتي صدره، وبرزت الأخرى.
الأصك: الذي تصطك ركبتاه وكعباه.
العضوض: الذي يعُض من يدنو منه،
النّفور: الذي لا يثبت لمن يقترب منه.
الجَموح: الذي لا يوقفه اللجام عن جريه.
الحرون: الذي يُثْبت قوائمه في الأرض، ويمتنع عن السير.
القموص: الذي ينفض راكبه حتى يُسْقطه.
أسماء مجموعات الخيل
أهتم العربُ بمجموعات الخيل، وأطلقوا عليها الأسماء التالية:
السَّرْبة: من 10 إلى 20 فرساً، وتجمع على سِرْب،
المَنْسر: من 20 إلى 30 فرسا،ً ويجمع على مناسر.
المَقْنب: من 30 إلى 40 فرساً، وتجمع على مقانب.
الَكْردُوس: من 40 إلى 50 فرساً، وتجمع على كراديس.
القُنْبلة: من 50 إلى 60 فرساً، وتجمع على قنابل،
أي خيولٌ سود كأنها قطعة الليل في شدة الظلام، ولهذه الخيول غبارٌ كثيف "عيثر" تبعثه حوافر أعدادها الكثيرة.

وهذا غيض من فيض , والكاتب وضع مكبره القاتم العفن على بعض الجزئيات التي قد لا يكون لها وزن أمام هذا التراث الإنساني الضخم الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء , واتخذ من قصة أحد الأدباء فيصلا وميزانا للتراث العربي وكأن التراث العربي ولغته المعجزة قصرت عن نظره إلا عن تلك السفاسف النادرة فلم تلحظ عيناه ولا لامس فؤاده ملايين الصفحات الناصعات للأدباء العرب قديما وحديثا , ولم يغفر للغة العربية والتراث العربي عند فوزي سقطات نادرة ليحمل سوطه الناقد الفاحش البذيء ويهوي به على جسد هذا التراث الإنساني المعجز , ويتحدث فوزي عن أحمد زويل وأنه لو قدر له أن يكمل دراسته في عين شمس لتخرج ليعمل في قياس (غرمول الحمار) , ولم يلحظ انه يتهكم بملايين المصريين الذي يدرسون في الجامعات المصرية وكأن مصر لم تنجب غير احمد زويل ولا أدري كيف تناسى عظماء مصر الذين كانوا نتاج هذا التراث العربي العظيم وكأن طه حسين والعقاد والمنفلوطي وشوقي وحافظ والحكيم ومحفوظ أقل شأنا من زويل ؟

ليس هكذا تلفت الأنظار يا فوزي بقذفك لتراثنا العربي بهذه السطحية والسخافة والبذاءة والانتقاء العفن لما تريد فقط , فاللغة العربية والتراث العربي اكبر من أن تناله يد الجهلاء الذين اتخذوا من البذاءة والتطاول وقصر النظر نقطة للفت الانتباه لفكرهم السقيم , إن هذا التراث الأدبي الذي تتهكم به خرت له جبابرة الشعر والفصاحة وترامت الجن على استراق بعضه , لقد كانت العرب تخشى هذا البيان أكثر خوفا من السيف القاطع , وكم تفاخرت أقوام بكلمات منه , وكم حُطت أقوام بكلمات أيضا , وكم طارت به الركبان عبر الأرض وأضاءت به أوربا ذات زمن .

وهنا أتساءل : عندما تحول لون ماء دجلة والفرات إلى لون الحبر بعد أن أغرق التتار كتب بغداد فيه من كثرتها وعظمتها وثرائها , هل كانت تلك الكتب تتحدث عن الغائط وغرمول الحمار ومتك الذبابة ؟؟

أخيرا يا فوزي .... لا خير في قلم تجرد من الأدب .
ــــــــــــــــــــــ

العقيد معمر القذافي ..


شخصية مثيرة للجدل حقا , عندما أجد عبر وسيلة إعلامية ما خبرا عنه أتوقف قليلا أمامها , الغريب في هذا الرجل وفي شخصيته أنه ومنذ عقود يحارب طواحين الهواء ولم يمل أو يستسلم ,تقبع في شخصيته بقايا رموز وشخصيات تاريخية وسياسية وخاصة الثورية منها , يحاول ان يكون الجميع في شخصه , يرى نفسه كاسترو تارة وجيفارا تارة وماوتسي تارة وعبدالناصر أحيانا.


القذافي شخصية اقرب ماتكون لشخصية رجل صدم في تاريخه الوهمي , كان يسعى يحاول ويظن أنه قادر على التغيير ليس في بلده ولكن في التاريخ الاجتماعي والسياسي البشري .

ربما الكثير من تخبطات القذافي ومغامراته ونزواته أحيانا تنبع من ذلك النداء الداخلي في قرارة نفسه أنه منقذ البشرية أو منقذ أفريقيا أو العرب يحاول أن يهز العالم بأطراف أصابعه لأنه خلق لذلك .

على مدى أكثر من أربعة عقود سقطت أوهام القذافي عظيمها قبل صغيرها , فمشاريع الوحدة التي يحلم بها والنظال في سبيلها كانت مجرد أوهام وأحلام تراكمت هزائمها لترتسم على وجهة تلك النظرة التي لا يمكن قراءتها , هرب من إحباطاته السياسية ليقع في إحباطات اجتماعية عبر الكثير من الأراء والنظريات والكتب التي لم تؤثر في أسرة واحدة في المجتمع العالمي وكأنها نظريات للمطالعة وتضييع الوقت .


لقد انحدرت أحلام القذافي من محاولة التأثير في المجتمع الدولي إن لم يكن في الاستئثار به وتزعمه روحيا على الأقل لمغامرات واهية وفاشلة في تشاد إلى الوقوع في مستنقع طائرة ناضل وجاهد طويلا للخلاص من تلك البقعة الصغيرة , أي أحلام تلك التي انتهت عبر طائرة , وربما تلك الانهيارات الممتدة عبر عقود ساهمت في إضفاء شيء من الضبابية على شخصية القذافي .


الملازم أول معمر القذافي ومن خلال حركة الضباط الوحدويين الأحرار استولت على السلطة في ليبيا في العام 1969 وسرعان تفجرت في نفس الملازم الثائر محاولة غرس أصابعه في جسد التاريخ فقام بإجلاء القواعد الأمريكية والإنجليزية عن ليبيا وأصدر قانونا بمنع شرب الخمر ثم ألغى الدستور ومظاهر الحياة المدنية من صحافة والأحزاب وفرض الزكاة وبدأ مسلسل المغامرات الوحدوية مع مصر وتونس وتشاد , وغير بدء التاريخ بدءا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

إن محاولة التسارع بعجلة التاريخ ومنذ بداية ثورة الملازم القذافي تتدل على نفس مشبعة ومتضخمة بالأحلام والتطلعات , ثم تتابعت أحلام الملازم نحو الخارج القريب والبعيد فتدخل في تشاد والفلبين وأوغندا وبين باكستان والهند وبنغلاديش وتوطيد العلاقات مع الاتحاد السوفيتي .

القذافي الذي مازال يحلم بأمانة القومية العربية كما منحه ذلك جمال عبدالناصر , يقف اليوم وربما تمتليء نفسه انكسارا وخيبة لسقوط أحلامه في الدهاليز الخلفية للتاريخ . 

لقد كان هاجسه الأكبر ربما الوحدة العربية ثم تقلصت أحلامه لتكتلات وحدوية أصغر , (مصر السودان ليبيا) عبر ميثاق طرابلس الوحدوي ,اتحاد الجمهوريات العربية ليبيا مصر سوريا , الوحدة الاندماجية مع مصر , الجمهورية العربية الإسلامية مع تونس ,اتحاد ليبيا الجزائر , اتحاد سوريا السودان ليبيا ,الاتحاد العربي الإفريقي مع المغرب ودعوة الدول العربية للانضمام إليه , اتفاقية مراكش لوحدة دول المغرب العربي , الاتحاد العربي , الاتحاد العربي الإفريقي .


لاشك أن هذا العقيد وكما يقال (إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام) , لا أريد أن أعلق على نزواته ومغامراته الغير محسوبة والغير مدروسة غالبا ولكني أقر له بالطموح والعمل والسعي لما يؤمن به , وبتمسكه بأفكاره ومعتقداته حتى ولو لم تعجب الكثيرين .


ولكن يبدو أن العقيد قد استسلم أخيرا لإحباطاته , وودع أحلام الثورة وانتشار أفكارها وأثارها خارج ليبيا , وهذا أمر طبيعي فما عاد في العمر بقية لمزيد من الأحلام وربما الحفاظ على بعض المكتسبات أفضل , لقد ألقى العقيد جلبابه الثوري ثم أناب ’ لم يعد يقوى على مطاردة الأحلام الثورية أو فقد القدرة على ذلك , فحادثة صغيرة بالنسبة لطموحات ثائر كلوكربي أطاحت بأخر أحلام الثائر الكبير , وحلمه الكبير بفروسية القرون الوسطى أرتد ليحطم طاولته المستديرة ليكتشف أن سيفه من خشب وأن ثورته من فقاقيع , كيف لا ومازالت تطارده لعنة الصدر وهو الزعيم الذي يحلم بحكم العرب ولم يستطع وأد ذكرى رجل واحد , الزعيم الحالم يصطاد في بحيرة آسنة قضية ممرضات الإيدز ليكسب خطوة باهتة نحو العالم الكبير .


وأخيرا يجد الزعيم الحالم فرصة تاريخية فيقف ليعنف العالم ويلقي بكل ما في جعبته نحو إسقاطاته وكأنه ينتقم من المجتمع الدولي الذي حرمه نعمة الزعامة و مكاسب الثورة ليقف مدة ساعة ونصف في الجمعية العامة في 23ديسمبر من العام 2009 ليغرس سيفه الخشبي في أوصال المجتمع الدولي , كان خطابه عقلانيا ومليئا بالصدق والحسرة والنقمة , كان يسطر كشف حساب لهذا المجتمع الدولي وكأنه يلقي أخر كلماته مودعا أحلاما أرقته عقود , لم يترك العقيد شاردة ولا واردة من أحداث وسياسات إلا وهزها في وجه الحاضرين ابتداء من عبثية المنظمة الدولية مرورا بهيمنة الولايات المتحدة عليها وأنها ليست إلا منبرا للخطابات وعرج على تعويضات الدول المستعمرة إلى غزو غرينادا وحرب العراق وأفغانستان وإعدام صدام حسين وأبو غريب وصبرا وشاتيلا واغتيال لومومبا وكنيدي وحتى انفلونزا الخنازير ومعاهدة أتوا لحظر الألغام ودار فور والقرصنة البحرية ودافع عن القراصنة الصوماليين .

إن محاولة القذافي تدويل نظرياته السياسية والاجتماعية وزعمه تطوير نظام ثالث بين الماركسية والرأس مالية ,وبدعة دولة إسراطين لحل القضية الفلسطينية , كل ذلك ويزعم أنها خلاصة تجربة البشرية وكأن تجارب البشرية توقفت عند طموحات العقيد أو كأنها نظرية جديدة عن نهاية التاريخ , لتدل على عمق تأثره بالثوريين ومحاولة طموحة ليجد مكانا أسطوريا بينهم ,لقد آمن القذافي أن خلاص العالم لن يكون إلا عبر أفكاره من خلال الكتاب الأخضر والأبيض .


القذافي رجل أعتقد الزعامة وأمن بها وحيدا وغامر كثيرا وظهر كثائر تارة وكمجنون أخرى وكمضحك أحيانا , لم يترك شأنا دوليا حتى صغائر الأمور إلا وخاض فيها بعمل أو برأي أو بتصريح .


هل القذافي أخر المحاربين الثائرين ؟

هل هو أخر الفرسان الحالمين ؟

هل كان صادقا مخلصا في رؤيته عالما عربيا موحدا ؟


أم هو مجرد رجل حطمته أحلامه وزعامته الوهمية ؟

ربما حتى التاريخ سيعجز عن إعطاء هذا الرجل مكانة واضحة المعالم .

ـــــــــــــــــــــ


الثواب والعقاب 
(حديث طريف دار بين أفغاني وفلسطيني .
قال الأفغاني للفلسطيني : لقد عاشرت الكثير من الفلسطينيين وقد لفت انتباهي أنكم لا تصلون لذلك سلط الله عليكم اليهود .
فرد الفلسطيني : وأنا عاشرت الكثير من الأفغان ولفت انتباهي أنكم تصلون ومع ذلك سلط الله عليكم الروس ثم الأمريكان) .

فكرة الثواب والعقاب نجدها كثيرا ما تأخذ حيزا من تفكير البعض خصوصا من المتدينين في شتى الأديان ,
هل الله يعاقب المسيء ويثيب المحسن على الإطلاق ؟
هل الإنسان مسير أم مخير ؟
هل يتدخل الله مباشرة في أفعال العباد ؟
لماذا يعاقب الله المسيء ويثيب المحسن إذا كانت أفعال العباد مخلوقة مسبقا لهم ؟
لماذا يجد الإنسان نفسه سيئا ويعمل بأعمال أهل النار وآخر يجد نفسه خيرا ويعمل عمل أهل الجنة ؟
كيف يكتب مصير الإنسان قبل أن يولد إذا كان من أهل الجنة أو من أهل النار؟ وهل له ذنب في ذلك إذا كانت تكتب قبل مولده ؟
الله عادل ورحيم فلماذا يكتب على البعض النار وبمشيئته يستطيع أن يجعلهم من أهل الجنة ؟
لماذا يدفع الإنسان ثمن خطيئة أباه آدم لاقترافه المعصية ولا ذنب له فيها ؟
أوليس الله هو القائل في محكم كتابه (ولاتزر وازرة وزر أخرى) ؟
لماذا قد يعيش الإنسان حياته كلها في فجور وفسوق وغنى ثم يغفر الله له بعمل صغير ويدخله الجنة , بينما قد يعيش أخر حياته كلها في تقوى وضيق عيش ثم يكتب من أهل النار لعمل صغير أيضا ؟

أخيرا
لماذا يمتدح الله ذوي الألباب ويأمرنا بالتفكر في الوجود والخلق ووهبنا نعمة العقل , ثم يثور البعض لترداد مثل هذه الأفكار ولو في حدود ضيقة ؟
وهل هناك حدود وضعها الله في كتابه الكريم تبين أن التفكير في بعض الأقدار لا يجوز ؟
هل من العيب أو الحرام أن نتساءل عن بعض الأمور ؟ ومن يملك أن يكبح جماح العقل ويأمره بالتوقف عند بعض الأمور ؟

هل أذنبت لأني أفكر ؟
مجرد تساؤل فقط لا غير . 
(أستغفر الله ولا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالمطلب وعمرو بن كلثوم ونصر الله ... وأشياء أخرى 



سياسي وزعيم عربي جاهلي موغل في القدم , أتصوره كالتالي : شيخ عربي وقور بهيبته وملابسه البسيطة ونظرته الواثقة يقف أمام زعيم أجنبي قوي متغطرس قرر أن يحتل بلاده ويهدم أهم مقدساته , ربما كان أول البراغماتين العرب ولكن وفي نفس الوقت لا يخفى على ذي الفهم ما يتوارى بين كلماته ونظراته الواثقة من إيمان لا حدود له , إيمان امتزج بالثقة اللامتناهية بالخالق سبحانه , عبدالمطلب يقف أمام غرور وجبروت أبرهة وقد جاء بسلاح الدمار الشامل لذاك الزمن (الفيل) الذي لم تعهده العرب , ينظر أبرهة لذلك الشيخ ويحاوره بما يوحي بصدمته من قدرة هذا الشيخ على زعامة أهل مكة وإدارة مقدسات العرب وقد رآه يأتي طالبا إبلا وينسى أكبر مقدسات بني قومه التي أمن عليها إذا هذا الشيخ في نظر هذا الجبار ليس إلا ( جبان وأناني ومحب للدنيا ) .
وآه لو أدرك هذا الأبرهة ما وراء تلك الكلمات الخالدة ( أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه ) من رؤية مليئة بالثقة والتسليم بأن لله قوانين في الكون لا يمكن تجاوزها .
وزعيم آخر هو عمرو بن كلثوم يفترش وقومه الرمال ويلتحف السماء ويتنقلون حيث الماء والعشب , لا يفتقرون للشجاعة أو النخوة أو عزة النفس والأنفة , ولكنه يرى الدنيا من خلال كلمات ينظمها ويطلقها لمسامع الفراغ ليتردد شعرا وكلمات لا تتجاوز قوة البيان وجزالة المعنى :
وَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ مِنْ مَعَدِّ = إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينا
بِأَنّا الُمطْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا = وَأَنَّا الُمهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينا
وَأَنَّا الَمانِعُونَ لِما أَرَدْنا = وَأَنَّا الْنَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا لَماءَ صَفْواً = وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِينا
مَلاَنا الْبَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا = وَمَاءَ الْبَحْرِ نَمَلؤُهُ سَفِينا
إِذا بَلَغَ الْفِطَامَ لَنا صَبِيٌّ = تَخِرُّ لَهُ الْجَبابِرُ ساجِدِينا 

تلك الكلمات التي مازال البعض يعاني منها ومازالت تتردد كإرث أو داء وراثي ينساق خلفه من لا يريدون رؤية الواقع بعين مبصرة ليعرفوا موقع أقدامهم ويبدءوا تصحيح مساراتهم وتهجي خطواتهم برؤية واقعية .
ربما لم يعد لإيمان عبدالمطلب وجود في سياستنا المعاصرة واكتفينا بالرضوخ لواقعنا حتى لو طأطأنا الرقاب ولم يعد حبل الله موصولا بنا ولنا , ولكن الكارثة الكبرى أن البعض منا مازال يعتقد أن جبابرة الدنيا تخر لرضائعنا سجودا بمجرد فطامهم .
رؤيتان لا أجد تفسيرا لهما , عندما اجتاحت أمريكا أفغانستان للقضاء على طالبان شاهدت لقاء مع مسئول سابق في الاستخبارات الباكستانية وقد تحدث بثقة وكلمات هادئة أقشعر لها بدني وتذكرت تلقائيا كلمات عبدالمطلب التاريخية عندما قال المسئول الباكستاني لمحدثه ردا على سؤاله : هل يستطيع طالبان أن يقاوموا أقوى آلة عسكرية في عصرنا الحالي ؟ فأجابه بآيات سورة الفيل وكأنه يرى نصر الله وقد تحقق لهم بصوت مليء بالثقة والطمأنينة .
وكذلك عندما تحدث نصر الله عن رؤيته للمواجهة مع الصهاينة كان يستخدم نفس المنهجية من الثقة بنصر الله برغم انعدام موازين القوى بين الطرفين كما بين أمريكا وطالبان .
ورغم ذلك خسر الطرفان (ولو من الناحية العسكرية إذا كان يحلو للبعض ذلك ) , فهل أصبح الإيمان لا يكفي لجلب النصرة أم أن إيماننا لم يعد نقيا ؟
هناك الكثير من الأحداث الإسلامية التي أثبتت فيها قوة الإيمان القدرة على جلب النصر رغم اختلال موازين القوى بين المؤمنين وأعدائهم . فأين الحلقة الضائعة بين الإيمانين ؟
أذكر ذات زمن أني بكيت مع فيروز وهي تغني وتشدو بهذه الكلمات :
الغضب الساطع آتٍ و أنا كلي ايمان
الغضب الساطع آتٍ سأمر على الأحزان
من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و كوجه الله الغامر آتٍ آتٍ آتٍ
لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي
سأدق على الأبواب و سأفتحها الأبواب
و ستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
و ستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية
الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و سيهزم وجه القوة
البيت لنا و القدس لنا
و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
بايدينا للقدس سلام آتٍ 

فكبرت فيروز وكبرنا وانتظرنا الغضب الساطع فما جاء , ومازالت أثار القدم الهمجية تدق أعناقنا كل حين ,وأصبح الصهاينة يشربون من ماء نهر الأردن , وأصبحت القدس مرثية كأندلسنا الضائع لا نجدها إلا في مسميات الشوارع ولوحات الفنانين وقصائد الشعراء .
ومازلنا نستمع لبعض أبناء العروبة يرددون عبر قنوات عمرو بن كلثوم
( نهدي هذا النصر لكل الشهداء ) .
هل من يدلني على ذلك النصر حتى أجثو أمام قدميه باكيا وطالبا العفو من فقدان الثقة وضياع الإيمان , في أقل من شهر قتل وجرح الآلاف ودمرت قرى ومدن ويتم أطفال وثكلت نساء ومليارات الدولارات داستها جنازير الصهاينة وأخيرا سيسلم الجنديين وينزع سلاح حزب الله وسيطوى داخل منظومة السلطة الرسمية ولن يبقى منه إلا معلقة جاهلية تتردد كما تتردد معلقة عمرو بن كلثوم .
أي جيل هذا وأي موروث ينسجه للغد ؟
ما أعظم الخراب ...
وما أعظم الأمل في الغد .... 

(تذكرت ذلك بعد أن شاهدت في اليوتيب خطبة لنصر الله وسر نصره على إسرائيل)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جدة وعقوق الأبناء 


كنا نسمع عن جدة أنها عروس المدائن , تشدنا أحلامنا مذ كنا صغارا أن نرتمي بأحضان بحرها ذات أمسية , آه منك يا عروس البحر كم أرقتنا أمسياتنا لهفة عليك , كم همنا خلف صورة من هنا ولقطة من هناك وقصة مسكونة بالدهشات من البعض الذين ضحك لهم القدر ولثموا وجهك ذات صباح , شاطئك الحالم , بائعي البليلة والفشار أصوات الألعاب النارية , ملاهيك , مطاعمك , شاليهاتك , كانت أعز ما نختزنه من أحلام .
عندها ونحن صغارا نركض فوق سفوح الجبال بمكة لم يكشف لنا القدر عن بعض أبنائها العاقين أكلى السحت والمنتفعين من دمها المسفوح , لم نرى أيديهم الملطخة بعذريتها , لم تستحي وجوههم من الله أو من أنفسهم أو من أبنائها المساكين , فعاثوا فسادا بمقدراتها وبهبات أولياء الأمر لسكب المساحيق الحضارية على وجه العروس البائس , حشوا جيوبهم القذرة بأيديهم النجسة واقتطعوا من كبدها ومن قلبها مساحات ليستبدلوها بمساحات من عذاب الله وغضبه عليهم , اغتالوا العروس ببطء طويل الأمد , لم يستعجلوا , عرفوا أن هذه العروس ستلد أموالا وترزقهم أرصدة في بنوك الغضب الإلهي , تحول ابنها البار من موظف صغير ومواطن دخله محدود إلى صاحب شركات وأرصدة بالمليارات , واستلقى على ضفاف بحرها الموبوء وقال (هذا من فضل ربي) .

أيها الأبناء العاقين المتخمين بالسحت والمال المدنس , تمتعوا حتى حين , فعين الله لا تغفل , هل سمعتم يوما بمقولة (إن الله يمهل ولا يهمل) ؟.

يا متخمون بأرصدة الفساد والسحت والحرام , ومقتني ألـ ( ميزراتي والجاكوار واللكزس والبي ام والشبح ) , تذكروا خطاياكم والعنوا أيديكم الملطخة بدم العروس أو بدم العجوز عندما تستلقون في اللحد وتتركون قذاراتكم الدنيوية أبناء عاشوا وتربوا وأكلوا من الحرام والسحت .

هذه العجوز تلعنكم .
ضحايا قويزة تلعنكم .
نفق الملك عبدالله يلعنكم .
مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز يلعنكم .
ريم التي تدثرت بالطين تلعنكم.
شارع الجامعة يلعنكم .

كلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل
جدة تلعنكم 
يا قتلة المدن 
أينما كنتم ,,, هنا .. أو هناك 
في جدة أو لندن أو سويسره أو أمريكا
اذهبوا آنا شئتم
لعنات جدة تتبعكم 
ووجه الله ينتظركم
هل رأيتم يا جبناء أبناء مدينة يبكون خوفا من المطر ؟؟؟؟
هل سمعتم عن أطفال يصرخون لنزول المطر؟؟؟؟؟
هل شاهدتم أسر بسيطة عاشت على الديون والأقساط تهرب من بيوتها لنزول المطر ؟؟؟؟؟
أوليس المطر نعمة ؟؟؟؟
أوليس المطر رحمة ؟؟؟؟
تعسا لكم أينما كنتم وأينما توجهتم ,,
حولتم نعمة الله لخوف وهلاك ورعب ويتم وعويل وضياع للأموال والأنفس .
جدة يا عجوز المدائن كنت حلم الطفولة وأصبحت مأساة الكهولة .
اللهم كل من سرق من جدة قرشا واحدا صبه نارا وعذابا على ظهره وبطنه وفي قلبه يوم لا ينفع مالا ولا بنون .
اللهم أنزل غضبك وسوء خاتمتك بكل تاجر جاء إلى جدة بـ( زنوبه وفوطة وثوب رث ) فامتلأت كرشه الآثمة بالملايين والمليارات , ورأى هذه العروس تستجدي وتستعطي في أسوأ أيام حياتها ولم يخرج من خزائنه ما يسد رمقها .
اللهم أنت تعرف أن المستضعفين هبوا لمساعدة أبناء العروس البائسة وأن الأغلب من تجارها فجارها يتفرجون , استنزفوا دمها ودم مستضعفيها وتورمت كروشهم ولبسوا البشوت , ثم أداروا ظهورهم النجسة عنها .

اغتيال جدة
تلك العروس
منذ أن كانت صغيرة 
جردوها هتكوها 
خنقوها بألف ضفيرة
باعوا لحمها للعابرين 
عاما بعد عام حتى العظام
ومضوا وتركوها ركام
تلك العروس
سقطت في مأدبة اللئام
قطعوها سلبوها
وحرموها الكلام
تلك العروس
كانت أميرة
فقدت تاجها تحت أقدام التتر
جرعوها كأس المنايا 
لطخوا ثوبها بدم الخطايا
وقالوا .. قدر
ـــــــــــــــــــــــ
إنما أشكو همي وحزني إلى الله وحده ,, 
إنما أشكو همي وحزني إلى الله وحده ,, 
إنما أشكو همي وحزني إلى الله وحده ,, 
إنما أشكو همي وحزني إلى الله وحده ,,
ـــــــــــــــــــ

ثلاثية عبد خال



مرت سنوات طويلة منذ قرأت ثلاثية نجيب محفوظ ( بين القصرين – قصر الشوق- السكرية ) , وربما أهم ما علق في ذاكرتي من تلك الأعمال الخالدة ذلك العبق الذي يملأ الخيال بأصوات الحياة الشعبية ورائحة الأزقة ورطوبة الحواري , ولوحات مدهشة عن حياة الأسرة القاهرية ونموذج (سي السيد) وبناته وأولاده الذين يمثلون أغلب الصفات للإنسان المصري البسيط ابن الحارة وزخات هائلة من مشاهد بيئية واجتماعية وسياسية تمثل حقبة زمنية محددة من عمر قاهرة المعز .

وتتابع المشاهد في نفس الإطار عبر قصر الشوق والسكرية , وهي امتداد لحياة سي السيد و الست أمينة وأولادها وزوجاتهم فتتوالى الصور الاجتماعية والسياسية لتلك الحقبة ورغم تغير الأحداث عبر تفاصيلها الصغيرة إلا أن الإطار العام الذي يحتضن البيئة المصرية وحواري القاهرة ومعالم أبناء البلد بكل أطيافهم ومشاكلهم وأحلامهم مازالت تأخذ بالقارئ لعالم افتراضي يستطيع من خلاله أن يجلس في وسط المقاهي وبين الناس ويراقب الحياة الأسرية من خلال ركن مهمل في أحد المنازل القاهرية وكأنه يرى ويلمس ويحس بتلك الحياة وليس مجرد قارئ لكتاب جامد بين يديه .

لقد استطاع نجيب محفوظ أن ينقل صورة ابن البلد وهمس المشربيات وهمهمة الأبسطة القديمة والفوانيس إلى العالمية بعد أن نالت جائزة نوبل وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة , وقدم دراسة نفسية عميقة للأسرة القاهرية في الأربعينات , ورغم ما علق بذاكرتي من بعض الجرأة لتصوير نماذج سلبية إلا أن نجيب كان حياديا في تناوله للشخصيات وقدمها كما يراها هو من حيث واقعيتها وليس من حيث المبادئ والقيم المجردة والمأمولة .

ورغم بعض التلميحات لنيله العالمية لأسباب سياسية بحتة , ورغم وجود مبدعين تناولوا بيئات شعبية وعبر كثير من المجتمعات كما يفترض , إلا أنه ربما أختلف الموقف مع محفوظ قليلا , حتى لو تدخلت الاعتبارات السياسية أو مكانة المجتمع المصري بالنسبة للشرق الأوسط , فمن المهم تقديم نموذج شرق أوسطي للعالم بصورة أدبية مقبولة , كما أن الفترة التي ظهرت فيها الثلاثية فترة سياسية أحدثت اهتزازات وتساؤلات عن هذا الشرق الأوسط للعالم , فتدخل الأدب لينقل للثقافة الإنسانية صورة لشخصيات شرق أوسطية يتعرف بها العالم على هذا الإنسان وكيف يفكر , كيف يتعامل مع بيته وزوجته وأبنائه , كيف يمارس نشاطه اليومي , ما هي اهتماماته , كيف يفكر في قضايا بلده وعالمه .

ولكن لماذا ابن البلد البسيط ؟ لماذا لم تكن شخصيات من قاردن سيتي أو المجتمع المخملي القاهري ؟
هل لهذا علاقة بكون قادة مصر( قادة الثورة ) هم من الفلاحين أصلا وأبناء البلد والطبقة البسيطة ؟
يعني هل يمكن استنتاج دراسة استخباراتية من ثلاثية محفوظ بطريقة علماء النفس والاجتماع ؟
وهنا يبرز سؤال آخر , كان يمكن استخلاص أي دراسة دون أن تنال الثلاثية أي تكريم عالمي ؟


( لقد علق بذهني بعض الأشياء عن فوز محفوظ بنوبل وأحببت أن أوردها هنا عبر هوامشي المتواضعة )

 مرت سنوات طويلة بالفعل على قراءتي لثلاثية محفوظ ولقد عادت لذاكرتي بقوة بعد وقوع رواية بالصدفة في يدي للمبدع العبقيري (عبد خال) .
وهي ( الموت يمر من هنا ) , وبعدها بدأت أقرأ كل ما أجده من كتابات عبده خال وربما أحببت أن أدون هوامشي هنا عن عبده خال من خلال روايات :

( الموت يمر من هنا – نباح – فسوق )

مما حفزني على هذه الهوامش نقاش مع أحد الأصدقاء , تحدثنا عن سبب تقلص الروايات العالمية من مئات الصفحات إلى روايات ( جيب ) لا تتجاوز العشرات من الصفحات , وطبع السبب الأول هو التماشي مع العصر ورتمه السريع وانحسار الوقت عن القراءة الطويلة لصالح الفضائيات والأنترنت .

وتساءلنا هل يمكن تقزيم روايات مثل ثلاثية نجيب محفوظ إلى عدة صفحات أو روايات (جيب) ولا أدري إن حصل هذا أم لا .
وأنا بدوري سألته هل يمكن أن نجد روايات عبده خال أيضا روايات (جيب) من عدة صفحات ؟
وكان ذهولي واستغرابي أن صديقي باغتني معترضا قائلا : ومن عبده خال هذا حتى يهتم أحد برواياته ؟
سكت لوهلة مذهولا , كون صديقي هذا يبدو عليه أنه مثقف وحواراته ثرية والغريب أنا من نفس منطقة عبد خال , يعني ينبغي له التحيز له وليس العكس .
هنا تماسكت قليلا وسألته ماذا قرأت لعبده خال ؟
فجاءت إجابته مخيبة وغير متوقعة بتاتا , فقال قرأت له بعض المقالات في جريدة عكاظ !
سألته : يعني لم تقرأ له قصة واحدة قصيرة كانت أم رواية ؟
فكان جوابه : لا
فقلت هي عندي ما رأيك لو أعيرك إياها ونؤجل حديثنا حتى تفرغ منها , ونقارن بينها وبين ثلاثية محفوظ ؟
فرد سريعا وكأنه ينتصر لنجيب محفوظ : لن أقرأها وأضيع وقتي في كلام فاضي , ثم لا تقارن كاتب عالمي بكاتب سعودي مغمور مثل عبده خال ( مغمور رغم أنه لم يقرأ له أي شئ إلا بعض مقالات صحفية بالجرائد ؟؟؟ ) !!!
أتصدقون أن صديقي أمين مكتبة ولديه الكثير من الوقت لو أراد قراءة أي شئ , حتى أنني ظننت أن بينه وبين عبده خال موقف شخصي .

لماذا قفز لذهني تلك المقارنة بين هذه وتلك ( من وجهة نظري المتواضعة جدا جدا ) ؟
أولا :
لم تتهيأ الظروف السياسية والاجتماعية والزمنية والبيئية لثلاثية عبد خال .
ثانيا :
رغم كون ثلاثية نجيب تتحدث عن شخصيات محددة وهي أسرة (محمد عبدالجواد) , فإن شخصيات عبده خال متعددة عبر ثلاثيته المختلفة المضمون .
ثالثا :
تدور أحداث ثلاثية نجيب من خلال أحد أحياء القاهرة الشعبية , وتدور ثلاثية عبده عبر أحياء جدة الشعبية أيضا , وعبر قرية شعبية بجنوب المملكة وعبر أزقة عدن .

عبده عبر ثلاثيته (من وجهة نظري ) لا يقل عبقرية ولا إبداعا عن نجيب محفوظ , وربما لو قرأ المخالفين لرأيي رواياته بشئ من الهدوء والحيادية لشاطروني الرأي , نجيب أبدع في وصف الشخصيات القاهرية وتصوير البيئة القاهرية الشعبية وكل ما تعج به من أطياف وأحداث وملابس وأثاث وغرف ومشربيات , وهذا ما أبدع فيه أيضا عبده خال من خلال تصوير حواري جده وأزقتها وشخصياتها المتنوعة وكذلك جعلنا نعيش مع السوادي في قريته النائية وتحت رحمة سياطه وسطوة جبروته , تستطيع وأنت تقرأ الموت يمر من هنا أن تغمض عينيك تماما لتشم رائحة الدم ممزوجة برائحة المطر والطين , تستطيع أن ترقب ثقوب العشش وتسلل المطر من بين أعواد القش , صورة ربما تتكرر كثيرا من خلال ألاف القرى النائية ليس في جنوبنا بل في جميع المجتمعات البشرية , إذا هي صورة نمطية عالمية لنموذج القرية النائية التي ترقد تحت سياط ألف سوادي وعبر أزمنة مختلفة .

ورغم ما قيل عن رواية (فسوق) من النقاد والقراء , إلا أن هذه الرواية لا تخلوا من تلميحات عبقرية لعبده خال , ودون الدخول في تفاصيل عن الصح والخطأ وما يجوز وما لا يجوز كما تناولها البعض , إلا أنها رواية استطاعت أن تنقل قارئها إلى مدارات غريبة لحالات نفسية مترسبة في أعماق الكثير منا حتى دون شعور منا بذلك , كما صور الألم والجنون والفسق بعيدا عن المثالية التي يصر البعض على زجها بغير واقعية , ويبقى السؤال لمن رمى هذه الرواية بألف حجر , هل تجزم بعدم وجود بعض تلك الشخصيات أو الصور النفسية داخل مجتمعنا ؟
وربما ركز عبده خال في نباح على الأحداث السياسية كثيرا , وبين جدة وعدن تناول الكثير من الشخصيات ولا يخلو تناوله لها عن بعض التشريح النفسي والاجتماعي , ورغم خياله الواسع فقد حرص على الكثير من الواقعية في تناوله للأحداث .

في اعتقادي لو هيئت لعبده خال ولو بعض ما هيئ لنجيب من ظروف مماثلة ربما لاستحقت رواياته الكثير من الضوء حينها .

هذه الهوامش شخصية وربما لا ترضي البعض عن عبده خال ولكنها كما سبق وقلت (هوامش شخصية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مالم يقله أنيس منصور عن (مدام بوفاري)

في كتابه الأخير ( يسقط الحائط الرابع) تحدث أنيس منصور بأسلوبه الشيق والثري عن كثير من الصور الأدبية بطرق مختلفة , ضمنها أراءه الخاصة تارة وأراء أدباء عن طريق الحوار , وهو كأغلب كتب أنيس منصور , يتميز بطريقته السهلة الثرية الشيقة (هذا من وجهة نظري الخاصة ) .
وقد توقفت عند تناوله لقصة ( مدام بوفاري , للكاتب جوستاف فلوبير , والذي يعتبره الكثير من النقاد الأب الشرعي للواقعية في الأدب الفرنسي ) , والغريب في هذه القصة أنها ورغم ابتعادها عن الإغراق في الرومنسية والخيال وجاءت أحداثها واقعية وقريبة من حياة الناس إلا أن السلطات الفرنسية صادرتها ومنعت نشرها بحكم كون بطلتها فاجرة ومنحلة , وأخيرا أفرجت المحكمة الفرنسية عن الرواية لأسباب ذكرت في الفصل الخاص بفلوبير , وقد اتخذ مذهب الواقعية إسما اخر مشتق من هذه الرواية وهو ( البوفارية) وهذا شرف لا ينال بسهولة إلا لو حرك هذا العمل جيلا بأكمله , وهنا نستغرب لماذا حظيت هذه الرواية بكل هذا المجد رغم أن الواقعية كانت موجودة قبل وبعد مدام بوفاري ؟
ومن المهم أن نقول مبدئيا أن هناك صفات مشتركة بين شخصية بطلت الرواية وبين شخصية المؤلف ( فلا عجب أن يقول فلوبير أنه هو بطل هذه الرواية , ولا فرق بين كون البطلة أنثى والمؤلف رجل إذا كانت الصفات مشتركة , لعل أهمها الإغراق في الأحلام والاصطدام بالواقع ) .
القصة مؤثرة وشيقة وتدور أحداثها بسلاسة وبساطة دون تعقيدات لغوية وصور بلاغية معقدة , كيف لا وهي رمز للواقعية في العصر الحديث .
وقد يستغرب البعض مثلي ربما أن يشار إليها بهذا الزخم رغم بساطتها ووضوح أحداثها وربما محاكاتها كثيرا في واقع المجتمعات , وأكاد أجزم أنها صورة مكررة في كل مجتمع وعبر كل زمان (طبعا أقصد حياة البطلة ) , وكما قال النقاد عنها أن مدام بوفاري يمكن أن نجدها في الترام والأتوبيس والسينما وعلى الشاشة وبين المتفرجين .
ومن الكتاب الذين بهروا بهذه القصة ( أندريه موروا – مارسيل بروست – أندريه مالرو – ألن تيت – أرنست همنجواي – سومرست موم الذي قال أن فلوبير اثر في كل الواقعيين بعده مثل توماس مان و أرنولد بنيت و تيودور دريزر ) ,
وربما مما يلفت النظر هو مقولة الكثير من النقاد أن شخصية مدام بوفاري كأنها سيدة موجودة فعلا , وربما هذا لسان حال كل أولئك الكتاب العظماء الذين أحتفوا بها برغم بساطتها وواقعيتا , وربما هنا يكمن سر هذا الإعجاب .
( شخصية مدام بوفاري من وجهة نظري المتواضعة ) , وكما يتضح من قراءتي هي شخصية المرأة الحالمة التي لا يرضيها الواقع وهي أنثى تكره أن يكون هناك حدود لأحلامها , حتى إذا ما ظنت أن ثمة رجل يحقق هذا الحلم ثم تصطدم بواقعه الذي لا يرضي غرور أحلامها تبحث عن آخر , فهي في حالة هروب دائم خلف هذا الحبيب الذ لا تجده حتى الموت , هذه الصور لأنثى حالمة عصية على المنال لا يمكن ان يرضيها رجل , قادرة على تطويع خيال كل الرجال وكل منهم يدعي أن جاذبيته ورجوليته قادرة على كبح جماح احلامها وأن يطأ غرورها وأحلامها بقدميه , ربما هنا يكمن السر في إعجاب النقاد والكتاب العظماء بالرواية , لأنها تمثل لهم ولنا الأنثى التي لا تطال , الأنثى الحلم , لقد عبث فلوبير بخفايا النفس البشرية وجسد صورة مدام بوفاري كحلم ظل عصيا علينا , خيل إلي وأنا أقرأ ذلك الفصل أن كل تلك الكلمات العظيمة التي جاءت بأقلام عباقرة الفكر كانت مستلهمة من فكرة المرأة الحلم ( وهذا الذي لم يقله أنيس منصور , رغم أنني أعتقدت جازما أنه سيشير إلى ذلك في نهاية الفصل أو بين ثنايا كتاباته ) .
ومن الملاحظ أن (سارتر) ربما كان الوحيد الذي جرح فلوبير ووصفه بعدم المسئولية , ولانعلم هل جاء نقد سارتر محايدا منهجيا أم لهوى شخصي بينه وبين نموذج مدام بوفاري , حتى انه خالف عباقرة النقد والكتابة برأيه في فلوبير ؟؟
ــــــــــــــــ

في السحر والفيزياء بقلم:عادل الانصاري



سؤالان :


السؤال الأول :
هل يعتبر( بعض) السحر نوع من الفيزياء ؟
فمثلا ما يقوم به الساحر(ديفد) من قطع نصف جسده والسير في الشارع أمام الناس حاضنا نصفه الأسفل بيديه , لا يمكن أن يكون حقيقيا , والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم (سحروا أعين الناس) .

ولو افترضنا أنه تأثير فيزيائي على خلايا العين وأعصاب المخ ثم يحدث تغير ما في ملفات المخ وأرشيفه المعقد ليعاد ترتيب الصور والمسلمات المنطقية المخزنة فيه (بطريقة علمية معينة أو بعلم قدره الله لبعض البشر , ولا ننسى في قصة عرش بلقيس أن الله شاء لرجل عنده علم من الكتاب أن يتفوق على عفريت من الجن لحكمة واضحة , حيث لن يتكاسل البشر عن طلب العلم ويجيرون هذه الأعمال الخارقة للجن , بل يجب عليهم الجد والبحث حتى ينالوا بإرادة الله (علم من الكتاب كما ناله صاحب سليمان الإنسي ) .

عندها يبرز سؤال مهم : هل ذلك العلم إذا ما سخر لبشر ذات يوم يعد من السحر برغم قدراته الهائلة في التحكم بكل ما تراه العين ورسم ما يشاء على خلاياها ؟

- ومن يؤكد لنا أن بعض هؤلاء الذين نسميهم (سحره) ويعبثون بأعيننا ولا يمارسون الشعوذة في التفريق والتقريب وعلم الغيب والتمائم والذبح وبقية الأجندة الطويلة من الخزعبلات , مثل (ديفد الساحر الأمريكي) ممن أتيح لهم بطريقة ما بالاطلاع على علم فيزيائي ما لا نعرفه واحتفظ بالسر لنفسه وقام بكل تلك الخوارق التي نشاهدها , ولا شك أن الإجابة تكمن فقط عند هذا ألـ ديفد ولا أظنه سيجيب عنها .

السؤال الثاني :
نرى في بعض أفلام الخيال العلمي قصة من يعودون بالزمن للماضي , وبغض النظر عن موضوع تلك الأفلام , هل هذا ممكن ذات يوم بعد تقدم العلم بحيث يصعب لنا الآن تصور كيفية حدوث ذلك؟

أذكر عند قراءتي لبعض كتب النسبية ذات وقت , أن السرعة إذا قاربت سرعة الضوء يقل الزمن عنده بشكل عكسي , وأعتقد أن أينشتين وبعض علماء الفيزياء إذا لم تخني الذاكرة أستحالوا أن يصل الإنسان يوما بوسيلة نقل ما أن يصل لسرعة الضوء أو تجاوزها , وأذكر قبل سنوات أثناء دراستي الثانوية (طبعا بمعهد مكة العلمي ورغم اسمه العلمي لا ندرس أي مواد علمية حتى الرياضيات ) , المهم كنت أناقش أخ لصديق لي يدرس بالجامعة قسم فيزياء , ومن حبي وقتها للمواد العلمية وقراءتي بنهم لموضوع النسبية وعلاقة السرعة بالكتلة والوزن ومانتج عنها من اختراع للقنبلة الذرية , استطعت أن أجاريه في بعض التفاصيل , ومنها أني قلت له لماذا يستحيل على الإنسان أن يصل ذات يوم لسرعة الضوء أو تجاوزها , ربما نظرتنا للموضوع في وقتنا الحالي وإمكانياتنا الحالية فيه ظلم كبير للعلم ففي خلال سنوات قليلة قفز العلم قفزات مذهلة , ولو قسنا هذا التطور من خلال المستقبل لتأكدنا أن المستحيل سيكون ممكنا ذات وقت .
وبعد سنوات قرأت مقالا بجريدة الشرق الأوسط لعلماء بريطانيين , وربما منهم (ستيف هوكنج) صاحب نظرية الثقوب السوداء , أن الوصول لسرعة الضوء أو تجاوزها ليس مستحيلا نظريا (ربما أينشتين هو من ذكر ذلك ) , ولكن أليات ذلك مجهولة حاليا .
أذكر أني تحمست كثيرا وقتها بما وعدني به أخ صديقي بلقائي لأستاذه في الجامعة في مادة الفيزياء لما كان للحوار من تشعب وإثارة , فقمت بإعداد بحث (ما زال لدي ) من عشرون صفحة به شروحات ورسوم بيانية ورسوم توضيحية لما أعتقدته وقتها باكتشاف شئ ما في عالم الفيزياء ( والمضحك أنني قمت بمراجعته بعد سنوات طويلة وبالكاد فهمت منه القليل والكثير منها لم أفهمه أو نسيته , ربما لأنها مجرد شخبطات ) ,

مازال صديقي ذاك زميل عمل , وذكرته بتلك الأيام الخوالي وعرضت عليه مقالة الشرق الأوسط , فقال ضاحكا ومازحا (ربما كان بحثك ذاك كجاذبية نيوتن وغفل عنه التاريخ ) .

- هنا خطر ببالي خاطر.. لو صحت تلك النظريات هل يمكن استحداث مركبة في المستقبل تتجاوز سرعتها سرعة الضوء كما قال العلماء البريطانيين .
- عندها هل يمكن لقانون العلاقة بين السرعة والزمن من أن يحدث ثورة حضارية وانقلاب في حتمية التاريخ ويتمكن الإنسان من الرجوع بالزمن للوراء (زمن سلبي) ؟

من المؤكد أن هذا لن يحدث مهما تقدم العلم لأسباب واضحة ومنها :
- أن في ذلك عبث واضح في دورة التاريخ والمسلمات الدينية .

- أن ذلك لو حدث في المستقبل لشهدنا وجود أناس غرباء جاءوا من المستقبل وغيروا بعض الأحداث أو أرشدونا لمخاطر تفاقمت وعادت على الإنسانية بكوارث حدثت .

- وهنا تمر خاطرة ما , ربما كانت الأحداث الغريبة والتي نعرفها بالأطباق الطائرة أو بعض المخلوقات الفضائية التي تدور عنها بعض القصص , أو بعض تلك الأحداث الخارقة التي تحدث بيننا ليست إلا زيارات يقوم بها أبناء المستقبل ؟
- وربما لم نشهد بعد زيارات حقيقية ومؤثرة لأن الفترة الزمنية التي قفز فيها العلم لهذه المرحلة ليست إلا بدايات , وأنهم عجزوا عن الرجوع كثيرا للوراء , لأننا لم نسمع عن أشخاص جاءوا لتغيير مجرى التاريخ عبر بعض العصور المشهورة مثل العصر الفرعوني (رغم بعض الحقائق التي لم تفسر تفسيرا علميا مؤكدا حتى الآن ) , أو العصر اليوناني أو في عصر النهضة الأوربية أو الإسلامي وما شابه ذلك .

- ولكن هناك حقيقة علمية منطقية تمنع فكرة الرجوع بالزمن للوراء وربما هي التي كنت أدور حولها في ذلك البحث البدائي الذي نسيت أكثره , ولكني استطعت فهم تخطيط كنت قد رسمته بشكل واضح وهو:
- لو افترضنا أن المركبة (س) انطلقت بسرعة تفوق سرعة الضوء من النقطة (أ) عندها تبدأ سرعتها بالتصاعد نحو سرعة الضوء ثم تخطيها , فنظريا سيتناقص الزمن على المركبة حتى يقارب الصفر , عنده ستصدم النظرية بعائق منطقي رياضي لا انفكاك منه ثم لا يمكن بتجاوز الزمن لنقطة الصفر , وهذا المنطق هو :
- وصول المركبة لزمن لحظة الاشتعال أو لحظة التشغيل عندها سيتوقف كل شيء على المركبة فهذه لحظة ما قبل الانطلاق.
- ربما ستنسف هذه النظرية فكرة الرجوع بالزمن للوراء من جذورها , إذ لا يمكن العبث بالأقدار وبمشيئة الله , من خلال هذا المنطق الرياضي البسيط .
- إن التحكم بالزمن على هذه الأرض هو بيد الخالق وحده , مثل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج والناس على الأرض يمضون ليلة واحدة وتجعله القدرة الإلهية يرى فيها ما لا يمكن رؤيته في أشهر .
- هنا تتبع النبي صلى الله عليه وسلم خطا زمنيا خاصا لم يتح لأحد من البشر, وتجاوز حدود المنطق الرياضي والقوانين العلمية .
- ربما يستطيع الإنسان ذات زمن من اختراع مركبة تقهر الوقت ولكن في حدود المنطق والممكن , فمثلا من المستحيل الوصول لزمن (الصفر) , ولكن يمكن الوصول لأدنى زمن إيجابي بعد الصفر ولو لثواني معدودة , هنا تتبدل الثوابت وتظهر خطورة أخلاقيات العلم والعبث بحياة الإنسان المنظمة والمنطقية , وينحاز حفنة من البشر في حجرات خاصة يشربون الشاي ويتحدثون ويتضاحكون , ثم يرجعون لواقع ربما مضى عليه مئات أو آلاف السنين ليجدوا كونا غير الكون وأناس غير الذين عهدوا , وربما تصطدم مركباتهم بزلزلات يوم النشور .
- لا يمكن التكهن أو التنبؤ بالغد في ظل مارد العلم وتقلباته السريعة المذهلة , فلنعد بذاكرتنا لأيام الصبا , حيث الحواري والبرجون والجلنط والقب والسبعة حجار , وما نحن عليه الآن , هذه المقارنة البسيطة عبر سنين قليلة ترسم الرعب والخوف لما يمكن أن يحدث بعد عشرات أو مئات أو آلاف السنين .
- (قد يكون الغد أحلى وأفضل , وربما يكون مليئا بالتعاسة والرعب ) , وتبقى الكلمة للإنسان وعبقريته وطموحاته وإحساسه الحضاري والعاطفي نحو أبناء الغد .

- يقول سبحانه:
( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها )
هذه هي حقيقة الزمن فهو نسبي بين البشر منهم من يراه طويلا ومنهم من يراه قصيرا , ويظل الإنسان ابن لحظته فقط , لا يملك ماضيه لأنه انتهى , ولا يملك مستقبله لأنه مجهول بالنسبة له , بينما يوم البعث يتساوى البشر في الشعور بالوقت وكأن الدنيا وقتها بأزمنتها النسبية ليست إلا عشية أو ضحاها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحالة العراقية


الحالة العراقية واللحمة الوطنية لأي مجتمع ..


لا يمكن لأي متابع مهما كانت درجة وعيه أن يحيط بالحالة العراقية منذ تصريح صدام ( سنحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج) وحتى نهاية هذه المتاهة التي دخلها الشعب العراقي و التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى .

هل هناك مكتسبات حقيقية لسقوط صدام أم العكس ؟

لا يخطئ من يرى أن الآراء تتضارب حول هذا الموضوع وربما هذا الاختلاف يفسد للود قضية , فمن يرى أن الشعب العراقي مر بعد فترة صدام بحالة سياسية صحية لانتهاء التسلط والقمع والكبت , ولكن هل يستطيع أن يغض الطرف عن الانتهاكات والرعب وانعدام الأمن وربما ضياع الوطن بين ألف يد وألف قدم .

هل يسوى ذلك الهراء عن الحرية السياسية وانتهاء الظلم والقمع أمام موت ربع الشعب وتهجير الربع الآخر ؟

هناك من يقول نعم للحرية لا للعبودية والتسلط .

هل الحالة العراقية بعد صدام خرجت من تلك البوتقة البغيضة ؟

عين الحقيقة تقول أن العراقيين سقطوا فيما هو أسوأ وربما الأسوأ , فالواقع يقول أن غياب صدام نتج عنه ظهور ألف صدام ( ولو غاب حرامي ظهر ألف حرامي ) .

إن غياب الأمن الذي كان يتمتع به العراقيون ولو بنسب مختلفة وبحالات معينة ولكن لا شك كان هناك أمن وكان هناك احترام لسلطة الدولة وخوف من أجهزتها , فمالذي حصل عليه العراقيون بعد صدام , الإجابة شائكة ولن نحصل عليها بسهولة .

إن ما يظهر أمام الكواليس في الحالة العراقية بعد صدام هو أقل بكثير وربما أجمل مما يختبئ خلفها وربما الأيام ستثبت لنا ذلك .

من المؤكد أن نظام صدام لم يكن مثاليا وكان له أثار سلبية على العراق وجيران العراق واقتصاديات جيران صدام في الماضي والمستقبل , وما فعله بالكويت جريمة دفع ثمنها العراقيون قبل صدام , كانت الكويت القشة التي قصمت ظهر صدام ولو أن الكويت لم تكن إلا مبررا لسيناريو وضع مسبقا (بعد تهديد إسرائيل مباشرة ) , ومن المؤكد أن أي سيناريو يوضع أو تبدو ملامحه في منطقة الشرق الأوسط يصدق عليه مقولة (فتش عن إسرائيل ) .

إن الفجوة التي حدثت بشكل بطئ بين صدام والمجتمع العراقي كانت السبب في تزعزع حصنه الحصين , فصدام أعتمد على أجهزته الأمنية وبث الرعب بين طبقات الشعب , حتى الأخ لم يعد يشعر بالأمان نحو أخيه , واكتفى بتلك الحلقة الضيقة من البعثيين وأجهزة القمع عن حب المجتمع , فكان الانهيار سريعا جدا فلم يرى الشعب العراقي فائدة من حماية نظام أدخلهم في مغامرات مدمرة لأسباب مرضية تنم عن تضخم الإحساس بالزعامة لدى المهيب , ذلك الشعب الذي يمتلك مقدرات مادية ونفطية ويد عاملة وأرض خصبة وعقول مفكرة وحضارة موغلة , إلا أنه لم يجني من هذا الكم الهائل من أدوات التقدم والثراء إلا الحروب وسجون المخابرات , إن من يرى تعامل صدام مع أعضاء الحزب (كما نجد في الشبكة العنكبوتية ) لتصيبه الحيرة , فإذا كان صدام يتعامل مع خاصته ورجاله المخلصين بهذه العنجهية والغرور والتسلط والإهانة وربما الشتم والقتل , فكيف يمكن أن يتعامل مع عامة الشعب ؟؟
ربما هذا السر الغامض خلف السقوط السريع والمهين لتلك القوة الوهمية الكرتونية والتي لم تبد أي نوع من المقاومة , فشاهدنا ملامح السقوط المهين عبر الفضائيات والذي أشعرنا بالعار بهكذا نهاية لجيش كان من أقوى الجيوش العربية , السر خلف سقوط صدام كان خلقه لقاعدة خاصة من الحصون الوهمية دون دعم شعبي ودون حب وطني يحمي تلك الحصون من السقوط السريع , حتى ذلك الجيش الذي كان أشبه بأسطورة سقط في لحظات وكأن كل ضابط وجندي يقول في قرارة نفسه كفى يجب أن ينتهي كل هذا , يجب أن ينتهي حكم هذا الرجل الذي أضاع زهرة شبابنا في معارك لا نعرف أهدافها أو لا نؤمن بأهدافها , ربما وجد أولئك الرجال فرصة تاريخية سانحة ليسقط ذلك العبء عن كواهلهم بأيدي أقوى من معارضتهم وأقوى من محاولات الاغتيال الفاشلة وأقوى من الرفض والكره والحقد القابع في النفوس .

هنا نعود للحمة الوطنية التي هي الحصن الحقيقي والأقوى ضد أي تدخل خارجي لأي مجتمع , فالغزاة عبر التاريخ لا يقهرون الشعوب بل يقهرون الأنظمة والقادة , بل أن الشعوب كانت هي المقياس الحقيقي لتقبل أي تدخل أو رفضه , أليس هناك شعوب استقبلت الفاتحين ولم تراق قطرة دم واحدة لأنها رأت المصلحة في تلك الفتوحات (كما حدث في الفتوحات الإسلامية) , وشعوب أخرى أذاقت الغازي الأمرين حتى دحرته لأنها رأت مصلحتها في ذلك .

إن تفكيك اللحمة الوطنية أمر بالغ الخطورة , وهذا ما تلجأ إليه بعض الجماعات والتي تعيش خارج مجتمعاتها وتبث أفكارها وتوجهاتها نحو الداخل ربما لتصفية حسابات خاصة وشخصية , فمن الصعب أن تطلب من المجتمع تبديل نظامه والدخول ربما في فوضى عارمة ينعدم معها الأمن ويضيع الآمان لمجرد أهواء خاصة وتصفية حسابات شخصية , كيف يمكن تفكيك اللحمة الوطنية عن طريق ترديد إشاعات أو تلاوة تقارير وهمية أو مليئة بالمغالطات والمبالغات أو ربما حتى الكذب , وربما أحيانا تفاجأ بتقارير ساذجة وأطروحات لا دليل عليها أو ربما لا يتقبلها إلا أنصاف المتعلمين , إن استغلال بعض الأوضاع وبعض المظاهر التي يمكن التغلب عليها بقليل من الحوار والمكاشفة هو أفضل من سكبها في أذان الناس فتتسلل إلى قلوبهم وتضخمها أوضاعهم التي يتوقون لتحسنها دائما .

إن أقوى درع وأنجح طريقة لمقاومة مزعزعي اللحمة الوطنية هو الالتفات للداخل بدل التوجه لمحاربتهم في عقر دارهم , فبالحب وتحسين الأوضاع قدر الإمكان والتواصل مع المجتمع والاستماع لمعاناته هي الطريقة الوحيدة للقضاء على مروجي الشائعات ومفتتي اللحمة الوطنية , بل يمكن استغلا جهودهم وتقاريرهم وإشاعاتهم وحتى أكاذيبهم للرد عليهم بعنف وربما ينقلب السحر على الساحر , وكلما أوقدوا حربا يطفئها القادرون على ذلك , وهذا يتأتى بكل بساطة عن طريق إصلاح ما زعموا أنه فاسد وإعطاء ما زعموا أنه منع وتغيير ما زعموا أنه لا يتغير , وكل ذلك في أفضل حدود التلاحم بين القادة والشعوب عن طريق المصارحة والمكاشفة ثم التغيير المدروس والخاضع لرضى الجميع حكاما ومحكومين , عنده فقط لن يجد أولئك النفر والذين يتوقون لتحطيم اللحمة الوطنية والأنظمة المستقرة ما يقولوه أو يفعلوه , لأن الإرادة انتقلت لأيدي الشعب الذي قرر الحفاظ على لحمته الوطنية وعلى مكتسباته والتي أهمها وأغلاها الأمن والآمان على المال والعرض والدين والولد ( ولنا في الحالة العراقية خير شاهد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكلمة والسيف 


الكلمة والسيف ..


فئتان من البشر غيروا وجه العالم بشكل جذري , الأنبياء والقادة , ولكن ثمة فرق في الطريقة التي سلكتها كل فئة , فالأنبياء غيروا وجه العالم بالكلمة والقادة بالسيف .
قبل ظهور الدولة الحديثة بدأت المجتمعات البشرية في التكون والتوجه من الحياة البدائية التي تقوم على الفردية في مواجهة البقاء إلى التكلات الاجتماعية المتعاونة فيما بينها للتغلب على صعوبات هذه الحياة , ثم ظهر الأنبياء والقادة , ليس مهما من ظهر قبل من , ولكن المهم أن هذا العالم كان من الممكن أن يتشكل بوجه غير الذي نعرف لو انفردت فئة من الفئتان بمفاتيح التغيير والتشكيل لوجه المجتمع البشري .

الأنبياء حملوا الكلمة وعاشوا في حدود تلك الكلمة بكل ما تختزنه من معاني نبيلة , فكانت سلوكياتهم أهم عنصر في أدوات قدرتهم على التغيير , كانوا يؤثرون بدء من محيطهم القريب ثم تنطلق كلمتهم للأبعد , ولو قدر لهم أن يمضوا في محاولاتهم إلى ما لا نهاية لربما غطت كلمتهم وجه الأرض , ولو قدر لهم ذلك لكان المجتمع البشري وحدة اجتماعية متجانسة ومتماسكة , حتى لو ظهر من بين شعوب الأرض قادة متمسكين بقدسية الكلمة التي طبعت من قبل الأنبياء فلربما كانوا قادة أشبه بتلاميذ لهم أي قادة يحافظون على الإرث النبوي ويتصرفون في حدود ذلك الإرث .

أما القادة فهم الفئة التي حملت السيف ومهدوا طريق التغيير والتأثير بالدم , ولو أراد الخالق أن يستأثروا بوجه العالم لما خرجت البشرية من بحور الدماء , ولولدت سلطة أو دولة أو أي كيان سياسي في كل شبر من الأرض .

كانت كلمة الأنبياء توحد البشر نحو الاستسلام لرب البشر والسير على منهاج يضعوه بناء على اتصالهم بالله , كانت طريقة إلهية للتعايش بين تلك الأجناس المتنوعة من البشر تحكم حياتهم منذ استيقاظهم من النوم وحتى استسلامهم له أخر النهار , والشرائع السماوية المختلفة حافلة بأنماط السلوك القويم الذي يحول حياة الناس لجنة دنيوية لا توصف .

وعلى النقيض كانت سيوف القادة تنشر الخراب والدمار والموت والخوف , وكانوا لا يتورعون في إدخال شعوبهم ولأعوام طويلة في حروب ودم من أجل غاية ربما تكون أحيانا شخصية أو قائمة على تصرف (سيكيوباتي) بحت , وربما قضى جيل من الشباب أبهى سنوات عمره وهو يقاتل من أجل قضية لا يؤمن بها أو ربما لا يعرفها , قرأت ذات وقت أن أما روسية بكت ابنها الذي مات في حرب عابثة وعندما واساها أحدهم قالت : (كنت أتمنى أن أعرف القضية التي مات ابني من اجلها ) .

إذا هي سيرة طويلة للمجتمع البشري بين الكلمة والسيف , ولكن لمن كانت الغلبة دائما ؟

عند بداية تكون المجتمع البشري ومنذ الأسرة الأولى لأبيهم آدم ولد الموقف الأول بين الكلمة والسيف , فقابيل كان البادئ في فرض رأيه بالسيف وهابيل كان صاحب الكلمة , قال قابيل ( لأقتلنك) وقال هابيل (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) ثم يشير هابيل للمنهج الذي يتبعه في إيمانه بقوة كلمته وهو (إني أخاف الله رب العالمين ) , هكذا ولدت المجابهة الأولى بين السيف وبين الكلمة , وربما كانت الغلبة للوهلة الأولى للسيف , وهي غلبة سريعة متسرعة متهورة يحكمها الغضب والحقد , وربما سقطت قوة الكلمة سريعا أمام سطوة السيف , ولكن المجتمع البشري لديه الوقت الكافي لقطف ثمار ونتائج تجاربه , لقد أثبت التاريخ أن النصر السريع ليس دائما نصرا حقيقيا ولكن النصر الحقيقي هو مدى تأثير الموقف أيا كان على المدى الأبعد , فهاهو قابيل وبعد قطف ثمار نصره السريع يقع في دائرة الندم الطويل الذي يسحق في طريقه لذة التفوق الخاطف (قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) .

ربما ورث أبو السيف الأول قابيل جزئية الندم تلك لأحفاده القادة أصحاب السيف , فمثلا عندما وقف نابليون وهو القائد الفرنسي والذي يعد من أكبر حملة السيف في التاريخ على تحطم عساكره في روسيا بردا وجوعا وتمردا شعر عندها بنوع من الندم على تلك المغامرة التي لا مبرر لها والتي راح ضحيتها أكثر من 25 ألف إنسان , وكذلك القائد البشري الكبير هتلر والذي يعد انتحاره نوعا من الندم على عدم انتصاره ونشر سلطته بقوة السيف .

مات الأنبياء وورثوا كلمات تشكل حياة ملايين البشر وتقبع داخل أفئدتهم وتمدهم بأرقى المعاني السامية والطمأنينة النفسية لكل المؤمنين بها , وورثوا نوعا من الوحدة المتجانسة التي تجمع أعراقا وشعوبا مختلفة الأماكن والاتجاهات والأفكار والرؤى والتطلعات ولكن تجمعهم كلمة نبي , هذه الكلمة هي الفيصل إذا ما اختلفوا وهي الملاذ إذا ما تشتت أفكارهم وهي الحصن إذا ما تفرقوا .

إذا ما الذي يؤجج نار الصراعات بين أبناء الكلمة الواحدة ؟

إنها ولا شك سلطة السيف .

ستظل الحياة البشرية تتقاذفها سلطة السيف وسلطة الكلمة , وربما كانت سلطة السيف أقوى وأسرع وأدهى وأمر وتمتلك الرقاب , ولكن من المؤكد أن سلطة الكلمة تقبع في النفوس هادئة تبني بصمت وتمتلك القلوب , ربما نصرها بعيد ومحبط في أزمنتنا الحديثة نوعا ما , ولكن التاريخ لا يُقهر , وكمثال على ذلك تلك الكلمة التي نزلت من الخالق , كلمة واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم وهي ( اقرأ ) حملها محمد وجابه سيوف قريش , وكسرى وقيصر ( أعظم قوتان على الأرض ) فانطوت شعوب تلك الحقبة من الزمن تحت لوائها , وإلى أن تقوم الساعة ستظل لتلك الكلمة ( اقرأ ) سحرها الرباني على مختلف المجتمعات البشرية .

وسيظل السيف يفرق , وستظل الكلمة تجمع , هذه سنة الحياة في الأرض منذ أن قالها أبو الكلمة الأول (هابيل) : (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) , وسيظل حال البشر مع الكلمة والسيف كما قال تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) .

فالسيف يقتل والكلمة تحيي .
وقتل الواحد كقتل الكل .
وإحياء الواحد كإحياء الكل .
ولن يصلح حال البشر إلا بكلمة تحيي الكل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتى أتانا اليقين 


حتى أتانا اليقين ..

هو حديث الموت , ذلك الموقف القريب البعيد , كأننا متيقنين أن هذا الزائر الحتمي يمر على الجميع ليلقي عليهم تحية الحياة الأخيرة وينسانا دوما , عندما تتوجه إلى مناسبة عزاء ربما يصعب عليك أن تتخيل بعض الناس وهم يتوجهون ذات يوم إلى حيث يؤخذ عزاك أنت , نلهث خلف هذه الدنيا الفانية ولا نملك اليقين الكافي باستمرار ثوانيها وأيامها , ربما نظلم , نسرق , نزني , نأكل المال الحرام , تقطع الرحم , وربما نزهق نفوسا بريئة وأخر ما نفكر به هو هذا اليقين .
تخيل لو أن طبيبا أنبأك أنه لم يتبق لك في الحياة غير أيام , وأنت غارق في الحرام , فأي شيء تفكر فيه عندها وترغب في عمله قبل أن تفارق هذه الدنيا , من المؤكد هو إعادة النظر في علاقتك مع الله , تتخلص من ممارسة تلك المحرمات وتوابعها قبل كل شيء ثم تتفرغ لترتيب أمور أسرتك وما يضمن لهم حياة كريمة من بعدك , طبع هذا إذا امتلكت الوقت الكافي لفعل كل هذا , فلو قدر لك أن تمتلك ذلك الوقت فأنت محظوظ وقد منحك الله فرصة نادرة للتوبة ورد المظالم ما أمكن , ولكن هل فكرت لو أن هذا اليقين جاءك بغتة ودون سابق إنذار , ربما تمر أمامك لحظات فقط تتمنى فيها لو أن الله يمنحك ساعات أو أيام لتعيد ترتيب أوراق حياتك , ربما تكون المظالم أثقل من أن تفكر فيها في تلك اللحظات .
لماذا .. نترك هذا الهم والثقل حيث لا وقت ؟
نحن ننسى أمر اليقين ونغرق صباح مساء في ألا يقين .
العجيب والغريب أنه مهما عظمت مظالم بعض الناس وتراكمت ذنوبهم وتضخمت أفعالهم السيئة إلا أنهم لا يفكرون لحظة واحدة في وقت الحساب والجزاء , وربما يسوفون التوبة أو لا يهتمون بما بعد اليقين ومواجهة رب العالمين .
وربما الأعجب والأغرب وما يمكن أن نسميه جبروت البشر , أن تجد من هو في سن لا يفصله بحسابات المنطق عن اليقين إلا لحظات أو أيام , وهو يعرف أن داعي اليقين ربما يزوره فجأة في أي ثانية من ثواني هذه الحياة الفانية , وتجده يعب من المظالم ويوغل في المحرمات واكل مال الناس بالباطل , وربما تكدست لديه المليارات التي جمعها من الغل والربا والسلب المبطن والنهب الخفي والظاهر ويقول هل من مزيد !!!
وكأنه في مأمن عن مكر الله أو خارج دائرة اليقين , هل من الصعب على ذلك العقل البشري أن يمر في خلده أن مساحة حقيرة من هذه الأرض الواسعة تنتظره بظلامها ورطوبتها وعفونتها ودودها وضيقها في أي وقت وفي أي لحظة من لحظاته القليلة الباقية ؟
خسر البيع ..
خسر البيع أيها الغافل الذي ران على قلبك ما أنت فيه .
تلك قسمة ظالمة التي قسمتها بين حياتك القليلة الفانية وبين حياتك الخالدة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
ها أنت بحضرة اليقين , وانقشعت الغمة وتحشرج الصدر , هاك لك بضع ثوان تمتع فيها بذهبك وملياراتك وتفكر , ماذا سينزل معك في حفرتك تلك , مزارعك , مسابحك , طائراتك , حساباتك السرية والعلنية , فتياتك اللاتي يحطنك متبرجات كاسيات عاريات , يخوتك , قصورك , (حرائرك وبدلاتك وبشوتك وعودتك) تذكر وأنت في كامل عافيتك وتمتلك من هذه الدنيا لحظات غالية تمكنك من مراجعة حساباتك مع آخرتك وربك , أنه لن ينزل معك إلا قطعة قماش بيضاء لا تتعدى قيمتها 50 ريالا من كل ذلك الكم الهائل من الحسابات والأرصدة والعقار والأراضي والمزارع والقصور والسيارات الفارهة , ثم يأتيك السؤال المخزي ( ومالك كيف اكتسبته وفيم أنفقته ) .
هل لي بسؤال أيها الغافل عن أمر اليقين :
لمن تركت كل ما جمعت وبكل وسائل الشر ( وهنيئا لمن جمعها حلالا وأنفقها حلالا وبنى أخرته قبل دنياه) , ربما اهتم ورثتك بتقسيمها قبل اهتمامهم بالترحم عليك , وربما تقف بين يدي الله وتتمنى لو عادت بك الحياة لتجمعها بخير وتنفقها بخير لتفوز في هذا الموقف العصيب , عندها تمر دنياك كثوان معدودة أمام ناظريك (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحاها) , وتقول في نفسك : ماذا لو أنفقتها وأنا في أرذل العمر في وجوه الخير , كم من أسرة كان يمكن أن أوفر لها حياة كريمة , كم من شاب أمنت له عمل وبيت وزوجة , كم من رجل أو امرأة تلقى العلاج بأموالي , وكم وكم وكم .
هل تخيلت عدد الأيدي التي ترتفع صباح مساء لتدعو لك ؟
وهل وصلك في دار اليقين دعاء الأيدي التي تدعوا عليك؟
ربما ينطبق هذا العرض على كل إنسان على وجه الأرض , فقيرهم وغنيهم أنثاهم وذكرهم , شابهم وشيخهم , ولكن أصحاب الثروات ربما أقدر على نماء الرصيد السماوي عبر دعاء المحتاجين ونتاج الأعمال الخيرية وبناء المساكن لهم والمستشفيات ودور العجزة والمعاقين والأيتام , فالصلاة والدعاء والصوم والحج للجميع , ولكن الإنفاق المؤثر في المجتمع للأثرياء وحدهم .

ذات مساء كنت عند أحدهم قبل أن يجري عملية قلب , كان لا يدري هل سيعيش أو يموت بعدها , نظر من نافذة الغرفة فرأى شكلا جماليا في الشارع , كان كثيرا ما يمر عليه عندما كان في أتم صحة وعافية , قال لي : لا أدري بعد ساعات هل مقدر لي أن أرى هذا الشكل مرة أخرى , تحدث معي كيف كان يمر أمامه ولم يخطر بباله يوما أن يراه من نافذة المستشفى يوما وهو على وشك أن يودع الحياة , قال : كم أتمنى أن يأتي يوم و أمر عليه وأتذكر رقدتي هذه وشعوري بدخولي دار اليقين , من المؤكد أنني سأصحح كثيرا من أوضاعي وأعالج أخطائي وأصحح مساري مع ربي وأدخل قبري وألقى ربي بقلب سليم , ثم أردف : هل تعلم أنا مندهش كيف لم تتجلى لي حياتي قبل الآن , الآن أتذكر كل ذنوبي وأخطائي وتقصيري مع ربي , لماذا نسيت ما يجب أن أتيقن منه فقط في هذه الدنيا الفانية ؟ لماذا نسيت (الموت) ؟
هل تعلم كم من عزاء حضرت , وكم من نعش حملت , وكم من ثرثرة حول الموت تشدقت بها , وكم من الحكم والأمثال والعبر سمعت , كلها كانت محض كلام ودخان تبدد قبل أن تتبين معالمه , الآن فقط أحسست بكل ما تحمله تلك المواقف من غصة وإحساس حقيقي بتداعياتها , لماذا , لأنني أضع أقدامي على أولى عتبات اليقين .
لقد مُـنح صديقي هذا فرصة أخرى , ومررت معه عدة مرات أمام ذلك المجسم الجمالي وتذكرنا تلك اللحظات ( أصدقكم القول لقد تغير كثيرا كثيرا من تلك اللحظات , وإن لم يكن بالقدر المثالي , ولكنه تغير حقيقي وجذري ) .

هل يجب أن نقترب من الموت ونلمس أطراف جلبابه لنعرف ما نحن عليه وما يجب أن نفعل , هل هناك ما يضمن تملكنا لفرصة الندم والتغيير والتصرف قبل الوقفة العظيمة ؟

إن الدهشة العنيفة تصيبني عندما أرى أو أسمع أو اقرأ عن أحدهم وهو قد تجاوز السبعين , وقد لمس جلباب الموت مرات ومرات ولا يتوانى بل يحرص على جمع الثروة وتكديسها حيث لا يعلم , وحيث لا يدري كيف تُصرف ومن يصرفها , وربما الأدهى والأمر أنه يعلم أن أعداء الله يتمتعون بها أكثر منه , هناك من بين ظهرانينا أسر لا تجد ما يسد رمقها , وهناك أسر لا تعرف شكل اللحم والفاكهة , وهناك أسر تسكن الصناديق والخيام الممزقة , وهناك أسر لديها أطفال معاقين , وآخرين يتكدسون في غرفة واحدة , هناك شباب وفتيات يحلمون بحياة كريمة , زواج وبيت وأسرة وأطفال , هناك فتيات وشباب وأطفال أيضا يحلمون( بلاب تو وجوال وبلاي ستيشن ) أليس من حقهم ذلك , هناك شاب يتوسد أحزانه عبر ليلة ظلماء يتفجر شبابا وحيوية وتمزقه الأفكار ولا يحلم إلا بزوجة صالحة وشقة غرفتين , وهناك فتاة تعبث بشعرها كل مساء وتنظر لكثبان الظلام , تتقلب شوقا لمعاني الحياة ولا تحلم إلا بذلك الشاب وتلك الغرفتين وطفل تمنحه دفئ صدرها وتسكب علية أبهى مشاعرها , وهناك رب أسرة يحلم أن يدخل على أطفاله بلعب كثيرة , وطعام لذيذ يحلم أن يدخل على زوجته بعقد أو سوار أو فراش جديد وأن يأخذهم مساء الخميس للبحر أو البر ولكنه لا يملك سيارة أليس من حقه أن يحلم بسيارة ؟ .

سنة الحياة أن يكون هناك فقراء وأغنياء , ولكن ألا يستطيع بعض من الأثرياء أن يتخلوا عن جزء يسير من الثروات المكدسة في مصارف الغرب والشرق ليحققوا حلم تلك الفتاة وذلك الشاب وهذا الرجل .

في دار اليقين ستتحول تلك الأرصدة في مصارف الغرب لنار تصهر على الجلود وهذا ليس قولي إنه قول صاحب دار اليقين رب العالمين حيث يقول سبحانه (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) وما أقربه من يوم لو تأملنا في حياتنا الآن أليس الشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة هل أبالغ في تصوري هذا أليس هذا تصديقا لقوله تعالى (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحاها ) .
وأيضا في دار اليقين ستتحول تلك الأموال التي غيرت حياة تلك الفتاة وذلك الشاب وهذا الرجل , وربما المئات غيرهم إلى أكف تدعوا لصاحبها ليل نهار فتمهد له طريق الجنة ,

أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .
أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .
أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .
أليس هذا بيع رابح يا أصحاب الثروات .

هي دعوى من دار اليقين وقبل أن تحملنا الأكف إليها , لي , ولك , ولها , أن نرمي حجر الأساس لدار لا نظمأ فيها ولا نضحى , ولا نجوع فيها ولا نعرى , ونبعد عنا وقفة خزي أمام رب العالمين .
ولنتذكر أننا نملك الوقت الآن لتفادي وقتا لا نملكه ونتمنى لو نملك ثانية منه ذات وقت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين فولتير وعطية 

بين فولتير وعطية ..

( كان فولتير قبيحا بشعا , مختالا , معجبا بنفسه , فصيحا بذيئا مستهترا وأحيانا غادرا وفاسقا , لقد كان رجلا يحمل أخطاء زمنه وعصره ومكانه ..) . نقلا عن قصة الفلسفة.

هذا هو فولتير الرجل الذي تأثر بالحياة الفرنسية المضطربة وطحنته الظروف الاجتماعية والسياسية والمؤامرات والأحقاد , ومن هنا ندرك كيف اكتسب فولتير كل هذه الصفات القبيحة التي يمكن أن نقول أنها إفراز طبيعي للهيكل الاجتماعي والسياسي السائد في ذلك الوقت , وكان فولتير عنصرا فاعلا في كل ما يحيط به من أحداث بين عامي ( 1715 – 1778م) أي لمدة تقارب 63عاما , مليئة بالأحداث الجسام .
والوجه الآخر لفولتير نزيل الباستيل هو ذات الوجه الذي أنتج أول فلسفة عن التاريخ , فولتير الذي وضع في حياته تسعة وتسعين كتابا , والذي كان أكثر معاصريه إنتاجا وتألقا .

فولتير الذي قال عنه "فكتورهوجو" (أن اسم فولتير يصف القرن الثامن عشر كله) , والذي كان سمة فرنسا كلها .

وقال عنه "لامارتين" (أن فولتير أعظم كاتب في أوربا الحديثة بلا منازع) .

كيف استطاع هذا الرجل أن يحمل في نفس واحدة كل هذا التناقض العجيب في شخصيته , فإلى جانب قبحه وبشاعته وبذاءته نجده فيلسوفا أديبا متكلما متألقا , وإلى جانب غدره وفسقه نجده أعظم المفكرين حيوية ونشاطا , ورغم تمرغه في تراب الباستيل إلى أنه جال أفخم قصور أوربا , كيف استطاع هذا الرجل بكل صفاته السلبية أن يقتحم القلوب الأوربية ويحفر اسمه في ذاكرة الزمن وبكل هذه القوة ؟

لكن هذا الرجل القبيح احترف الفكر !
نعم لقد استطاع من خلال قلمه أن يجسد معاناة المجتمع الفرنسي خاصة والأوربي عامة في ذلك الوقت , وتعرض للكنيسة بكل ما تعج به من خرافات وانحرافات , وذلك من خلال رواياته مثل ( لانجينو) , وتعرض لبشاعة الحروب والتكالب على المادة وعدم الاقتناع بما وهبنا الله من نعم من خلال روايته( ميكرو ميجاس) , وتعرض للغدر والخيانة والطمع الذي يتصف به الإنسان , والحب والوفاء والأمل عبر قصته ( صادق) , ومن خلال كتاب (كنديد) ناقش الكثير من القضايا الأوربية ابتداء من التطاحن المسلح ومرورا بمحاكم التفتيش وانتهاء بسلبيات الإنسان الأوربي وقسوته , وكل ذلك بأسلوب فلسفي جريء .

وفي المقابل ( كان عطية رجلا مهذبا خلوقا متواضعا هادئا رقيقا كريم النفس وفيا مثقفا محبا للخير , لا يحب الإساءة لغيره ولا يتحدث إلا بالخير , يتناول قهوته في الصباح ثم يتوجه إلى عمله مرتديا ابتسامة صافية كقلبه , يؤدي ذلك العمل كل يوم بإخلاص وتفان وقناعة , ثم يعود إلى زوجته وأطفاله حاملا حبه لهم وشيء من فاكهة وخبز , وحين يغيب قرص الضياء الدافئ ينام قرير العين هادئ البال ) .
هذا كل ما يمكن أن يقال عن "عطية" ذلك الرجل الطيب الهادئ ,
ربما كان عطية يقول بأفعاله وسلوكياته وابتسامته ما لا يمكن لفولتير وأدبه من أن يصوره , ففولتير كأديب حارب القسوة والخداع والغش والحرب والعنف والخرافات والمؤامرات , ومجد الحب والوفاء والحق والمثابرة والجد والعمل بقلمه , لا بسلوكه , بينما عجز كإنسان أن يقوم نفسه وسلوكياته من البذاءة والاستهتار والغدر والفسوق , أما عطية فقد كان صورة حية للوفاء والأمانة والمحبة والإخلاص والتفاني وإنكار الذات من أجل الكل , كما كان مثالا للاستقامة الحميدة .

فأين تكمن الفجوة بين فولتير وعطية ؟

ربما كان فولتير من فئة ( وأنهم يقولون مالا يفعلون) , والله يقول في كتابه ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون) , فالفجوة بينهما عميقة عمق الإنسانية ذاتها , فأغلبية الناس قديما وحديثا لم يتعودوا على أن التأمل واستخلاص الحكمة من أنفسهم ومن كل ما يحيط بهم , بل ركنوا إلى "التخصص " , فالمرض يبحث فيه الطبيب والسعادة يبحث عنها الحكماء وأسرار الطبيعة يبحث عنها العلماء , وهكذا , وإن كان التخصص وما يؤديه من تكامل اجتماعي مطلب فطري وبديهي , إلا أننا يجب أن نترك شيئا لأنفسنا , وربما درس الإنسان قديما الظواهر الخارجية من باب الخوف والعجز أمام قوة الطبيعة وقسوتها أحيانا , ولكنه عندما درس دواخله واتجه إلى نفسه وجد الأعجب والأغرب , فوجد الجسم البشري وقد احتوى على أسرار لا نهاية لها من التنظيم والدقة والترابط الذي ربما يفوق ما علمه عن مظاهر الطبيعة .
وكذلك ما وجده علماء السلوك والنفس من خبايا وأسرار لا تنتهي داخل هذا المخلوق العظيم , وهذا العلم لم يخرج عن دائرة التخصص , فذهب علماء النفس والاجتماع بجزء منه وذهب الفلاسفة والحكماء بجزء آخر , وربما أهمل هذا العلم من قبل العامة , وهذا ما سبب فجوة حياتية بين فولتير وعطية , فلو تعود الناس على التأمل والتدبر في أنفسهم وقوموا أخطاءهم وتعلموا من بعضهم السلوكيات الحسنة لوجدنا مجتمعا مثاليا لأفراده ثقافة فولتير وأخلاقيات عطية , وكانت الكلمة للسلوك قبل القلم , وربما لما أحتاج الناس لمن يأمرون بالبر وينسون أنفسهم , فيسأل الكذاب عن فضيلة الصدق والبذيء عن الأدب والفاسق عن الفضيلة .

(عن فولتير مرة أخرى) من قصة الفلسفة ..
يقول فولتير " لقد اتخذت لي مرشدا ومثلا أعلى القديس (توماديديموس) الذي أصر دائما على الفحص والتجربة بيديه " , فولتير الذي يتمتع بثقافة إنسانية هائلة وفكر متألق وسعة اطلاع لا حدود لها يتخذ من القديس "توما" مثلا أعلى لأخذه بالمنهج التجريبي ؟
ألم يبلغه أن العشرات من العلماء المسلمين اتخذوا من المنهج التجريبي ركيزة لهم في علومهم وتجاربهم وأبحاثهم التي أضاءت أوربا حتى القرن السابع عشر ؟
أم أنها صفة من صفات فولتير السلبية ألا وهي ( الجحود وتجاهل الآخر ) .. ربما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين الحقيقة والاعتقاد 


بين الحقيقة والاعتقاد

 ( والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك )
 للإنسان رحلة غريبة مع الحقائق , ذلك الإنسان المادي وتلك الحقيقة المعنوية كم دار بينهما صراع اتسم بالدموية في كثير من الأحيان , بل نستطيع أن نقول عن بعض تلك الحقائق أنه كلما كانت هذه الحقائق متأصلة في أعماق الوجود الإنساني كانت الألسن المطالبة بوأدها في مهدها أشد وأعنف في محاربتها وإن اختلفت بعض هذه الحقائق في مضمونها إلا أنها تشترك غالبا في صفات معينة منها :
1- خروج هذه الحقائق عن المألوف فيما عهده الناس .
2- قلة مناصريها وكثرة معاديها .
3- قسوة وصرامة المعارضين في مواجهتها ومحاولة القضاء عليها .
4- الإصرار وبذل الروح من قبل حاملي لوائها في سبيلها .
5- طول الفترة الزمنية التي تقضيها الحقيقة حتى تثبت وجودها ثم انتشارها مع الاختلاف النسبيي بين حقيقة وأخرى .
6- وأخيرا تشترك هذه الحقائق في حتمية الظهور والتألق مهما كانت فترة الصراع قائمة .
ولكن هل الحقيقة طرف في الصراع العنيف مع الإنسان أم أنها معركة بين الإنسان واعتقاده ؟
إن الكثير من حوادث التاريخ تثبت لنا أن الحقائق سواء الحقائق الدينية أو العلمية قاسمت الإنسان وجوده منذ الأزل , بل أن الوجود البشري على الأرض ما هو إلا نتيجة لحقيقة دينية وهي معصية آدم لربه في الأكل من الشجرة المحرمة .
و نتج عن هذه الحقيقة الدينية حقائق علمية مثل قانون التناسل وقوانين متراكمة في تكوين المجتمعات البشرية , قال تعالى ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ) الأعراف 189 .
فإذا كان الإنسان والحقيقة توأمين فماذا يكون الاعتقاد الذي تسبب في صراعات دموية عنيفة ؟
مما لا شك فيه أن الحقائق لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الخداع والشك , ولكن الوصول إليها غالبا ليس سهلا فتختفي دهرا خلف الاعتقاد بها , ويأخذ هذا الاعتقاد أحيانا وجه مخادع للحقيقة ويستل سيفها ويحارب باسمها وتسفك في سبيل هذا الاعتقاد أنهار الدماء , ولو كانت الحقيقة سهلت المنال لوفرت البشرية أنهارا من تلك الدماء عبر التاريخ .
ومن المؤكد أن الحقيقة غير الاعتقاد إذا أن الإنسان قد لا يجرؤ على محاربة الحقيقة الواضحة الراسخة في وجوده , مثل وجود الشمس والقمر والأشجار والأنهار وغيرها , وبصور أخرى أن الاعتقاد هو محاولة أولية أو ربما نهائية غير صحيحة للوصول للحقيقة , ولذك تعتبر كثير من صراعات التاريخ ليست إلا إعتقاد بحماية حقيقة ما .
وهذا لا يمنع من ظهور بعض الجبارين الذي يحاربون الحقيقة وهم يعلمون أنها الحقيقة , ولكن التسليم بها قد يسلبهم بعض أو كل المكتسبات المادية والمعنوية التي أحرزوها قبل إثارة صراع ما حول تلك الحقائق .
لقد كان الإنسان والحقيقة توأمان حين كان آدم وحواء في الملكوت الأعلى , فبدأت أولى محاولات طمس معالم الحقيقة من قبل إبليس لعنه الله , قال تعالى على لسان إبليس في محاولته طمس إحدى الحقائق السماوية التى تجرأ عليها هذا اللعين ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين ) الأعراف 20 , لقد كانت طاعة الله في الملكوت الأعلى حقيقة لا تقبل الشك , ولكن إبليس الخبيث بدل ذلك الإيمان بتلك الحقيقة إلى اعتقاد بوجود حقيقة أخرى غائبة عن عقولهم , واستطاع إبليس زرع أول بذرة للاعتقاد الباطل في نفس آدم , ووقع آدم في شرك أول اعتقاد باطل ظنه حقيقة وسعى خلفها , وسرعان ما كشف الله سبحانه له تلك الخدعة وجاءت التوبة سريعا ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) الأعراف 22, ولم يستطع الاعتقاد الباطل أن يجد له مكانا في عالم الملكوت الأعلى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) البقرة 27, ولكن آدم وحواء وذريتهما دفعا ثمنا باهضا لخضوع آدم وحواء لاعتقادهم الفاسد دون تمحيص وتثبت فكان العقاب الإلهي والهبوط من جنة السماء لضنك الحياة على الأرض , وبدء الصراع الكوني بين الإنسان والشيطان وبين الحقائق والاعتقادات وما بينها من أنهار الدماء .

والأمر على الأرض اختلف , فمع أولى الصراع بين أبناء آدم تاهت معالم الحقيقة واستطاع إبليس أن يبدل الكثير من الحقائق إلى اعتقادات رسمت ملامح الحياة البشرية والتي تقوم على الصراع الدامي الدائم بين الحقيقة والاعتقاد بها .
ومع تكون المجتمعات البشرية وتعدد أنماط الحياة على الإرض وتشعب سبل العيش ونشوء الأنظمة المختلفة , ومرور السنين وتشابك المصالح واستفحال المطامع البشرية , ظل الإنسان في بحث دائم عن الحقائق , وكلما اعتقد في أمر ما أنه حقيقة تمسك به وقاتل دونه وكأنه حقيقة مطلقة , وربما لا يدرك أنه يقاتل من أجل اعتقاد لا من أجل حقيقة .
وتظل الحقيقة بيد الله ( فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) البقرة 38, و يظل الاعتقاد بعكس الحقيقة بيد إبليس ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) ص 82 .

والحقائق المتأصلة في وجود الإنسان ( في رأيي , و من وجهة نظر إسلامية ) نوعان :
حقائق دينية , وعلى رأسها كلمة الحق ( لا إله إلا الله) , ثم التعليمات الإلهية المختلفة الواردة في الكتب المقدسة الصحيحة , ولم تتدخل اعتقادات المؤمنين بالأنبياء في هذه الحقائق لأنهم قبلوها كما هي من أنبيائهم وأمنوا بها دون إخضاعها لاعتقاداتهم على أنها حقائق مطلقة بغض النظر عن وجهة المخالفين لهم , وقد حمل لواء هذه الحقائق أنبياء الله .
والحقائق الدينية أكثر تأصلا في وجود الإنسان , بل نستطيع أن نقول أنها السبب في وجوده قال تعالى :
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .

ولما كانت هذه الحقائق الدينية أكثر الحقائق تأصلا في حياة المؤمنين بها , كانت الأكثر استحواذا بالدفاع عنها وبذل النفس والنفيس في سبيلها , وكذلك كان أعداؤها أشد تنكيلا ومقاومة لها ومنها القتل والحرق كما نجد ذلك في الكتب المقدسة ومنها :
- كان قوم نوح يهزأون به ويصفونه بالجنون , قال تعالى ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ) القمر9 .
- وعن هود عليه السلام ( قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ) الأعراف 66.
- وقصة ابراهيم عليه السلام فيها الكثير من صور المواجهة الشرسة , وابراهيم بدأ بالبحث عن الحقيقة المطلقة , واعتقدها في الكواكب ثم القمر ثم الشمس , ثم توصل للحقيقة المطلقة وهي أن الله هو خالق كل هذه المخلوقات العظيمة , ثم عرض تلك الحقيقة بدءا على أبيه ( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا ) مريم43, وكانت أولى أنواع مراحل المواجهة ( لئن لم تنته لأرجمنك) مريم46, ولقد كان قوم ابراهيم يعتقدون في اصنامهم ( وجدنا آباءنا لها عابدين ) الأنبياء53, وفي لحظة اهتزاز لهذا الاعتقاد قالوا ( اجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ) الأنبياء 55, وانتهت هذه المواجهة بين الحقيقة والاعتقاد بالباطل بصورة تتناسب مع عظم الحقيقة ( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) الأنبياء 68 .
وكذا بقية الأنبياء عليهم السلام لوط – شعيب - موسى مع فرعون وعيسى .

ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش رحلة مضنية مع الاعتقاد الباطل , والقرآن الكريم وكتب السيرة والأحاديث تزخر بهذه الأخبار , وقضى النبي أكثر من 23 سنة في هذا الصراع بين الحقيقة المطلقة وبين الاعتقاد الباطل .
ولنتأمل هذا الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين رجل من أهل الاعتقاد الباطل , دعا الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام , فقال له اكتب باسم الله الرحمن الرحيم , فقال سهيل بن عمرو : أما "الرحمن" فوالله لا ندري ما هو , ولكن اكتب "باسمك اللهم" كما كنت تكتب , ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله .. فقال سهيل بن عمرو :
" والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك " .

النوع الثاني من الحقائق المتأصلة في وجود الإنسان : الحقائق العلمية , وهذه الحقائق ربما ليس من السهل الحكم عليها والتعرف على مدى صحتها في وقتها إذ أن بعضها يحتاج إلى دراسة وتحليل وتجارب وبراهين حتى تقنع الجميع ولا ترقى إليها شبهة اعتقاد .
وبعض تلك الحقائق قضى مكتشفيها نحبهم في سبيلها بعد مواجهات عنيفة مع معارضيها , وخرجت بعد سنين طويلة من عباءة الاعتقادات الخاطئة وصرخت في وجوه الناس تبكي مكتشفيها , يقول الله عن تلك الحقائق ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) النمل93 .
وحماية الحقائق العلمية في مواجهة الاعتقادات الباطلة نجد أمثلة صارخة عليها في العصور الوسطى وعلى يد رجال الكنيسة الذين اعتقدوا أنهم المصدر الوحيد للحقيقة والعلم , وأن كل اعتقاد مخالف لرأيهم يجب أن يقاوم بقسوة وعنف وتنكيل , وقد ورد في كتاب " موقف الإسلام والكنيسة من العلم" لعبدالله المشوحي :
- في عام 1500 م أُحرق "جيبورجيود" في بولونيا لأنه أنكر ألوهية المسيح.
- كما لاقى اكتشاف التخدير مقاومة شديدة من قبل الكنيسة , وذلك لاعتقادهم أن الآم الولادة تخلص المرأة من العقوبة .
- قامت حرب شديدة على كل من قال أن القمر يستمد نوره من الشمس , وذلك لاعتقادهم أن القمر عبارة عن ضوء عظيم .
- وقال "كوبرنيكوس" أن الشمس لا تدور حول الأرض بل أن الأرض وبقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس , فلاقت نظريته حربا شديدة لأنهم يعتقدون أن الأرض ثابتة .
- وطرد "شيكودا سكوني " وكان فلكيا ذا شهرة وعلم من أستاذية جامعة كولونيا ثم أحرق حيا في فلورنسا لأنه علم مذهب " الانتيود" وهو العلم الذي يتناول حقيقة وجود بشر في الجهة المقابلة من الأرض وذلك بعد أن قيل بكروية الأرض .
- كما قامت حملة عنيفة ضد "جالليو" لأنه اكتشف بمنظاره أن هناك سيارات أخرى تزيد عن السبعة التي ذكرتها النصوص المقدسة , كما ثار عليه رجال الكنيسة لتأييده "كوبر" عن دوران الأرض حول الشمس .
- كان أساتذة الجامعات الفرنسية لا يستطيعون أن يظهروا أي حقيقة علمية إذا خالفت أراء الكنيسة مثل " ايبان" و "رينيكوس" .
- "لينيوس" واجه حملة عنيفة من قبل الكنيسة لأنه استطاع بتحليله أن يتوصل لمعرفة سبب إحرار المياه , وعندما استطاع بعض العلماء نتيجة الأبحاث والاكتشافات أن يبينوا بطلان أراء الكنيسة في كثير من العلوم , قام رجال الكنيسة بحملة همجية متوحشة واستحلوا دماء العلماء وأنشأوا محاكم التفتيش الدموية لمحاكمتهم , حتى بلغ عدد ضحايا هذه المحاكم الظالمة (10220) شخصا بين حرق وشنق وعقوبات مختلفة .

وفي (دراسة الكتب المقدسة) يورد "موريس بوكاي" نماذج كثيرة للاعتقادات العلمية الخاطئة , وقد أدت هذه المواجهات الشرسة بين الحقائق وبين الاعتقادات الباطلة إلى ظهور "العالمانية" واستخدمت كسلاح جديد ضد الأديان .

هذه صورة بسيطة للصراع التاريخي بين الحقيقة والاعتقاد , ومع الاختلاف بين صورة وأخرى إلا أنها تنتهي دائما بانتصار الحقيقة ولو بعد حين , لأنه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا , كما أن الكثير من صور هذا الصراع عاشت فترات زمنية طويلة كما في قصة سيدنا نوح عليه السلام , وشاءت إرادة الله أن يقطف البعض ثمرة هذا الصراع بانتصار الحقيقة والبعض الآخر قضى نحبه دون أن يشهد انتصار الحقيقة , ومن المؤكد أن التاريخ لن ينسى أولئك النفر الذين ناضلوا من أجل الدفاع عن الحقائق التي اكتشفوها حتى وإن سقطت اكتشافاتهم تحت عجلات الاعتقادات الباطلة ردحا من الزمن .
وربما نتوقف لحظات مباركة مع وقفة رسولنا الكريم في الدفاع عن الحقيقة الربانية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) حين سطر للتاريخ كلماته الخالده لعمه "أبو طالب " , كناية عن تمسكه بنور الحقيقة المطلقة والدفاع عنها فقال :
( يا عم , والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه , ماتركته )
.
ومع الاختلاف في الهدف والمضمون بين أنبياء الله وبين العلماء (مع أن بعض العلماء دافع عن اعتقادات ظنوها حقائق وأثبت الوقت عكس ذلك ) , إلا أن الحقائق العلمية ليست إلا سنة الله في الخلق والوجود وهو خالقها ومو جدها .
وتبقى مسألة الأديان مع العلم مسألة اعتقاد وحقيقة , لأن الحقائق الدينية ليست أرقام ومواد تحلل في المعامل بل هي نوع من الهداية الربانية يهيئها الله لمن يشاء من عباده ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين العجز الحضاري والثقافي

بين العجز الحضاري والثقافي 
ربما يمضغ قطار الحضارة في طريقه لحم الجسد الاجتماعي أحيانا كثيرة , فالمخضرمين في العمر يدركون الدفء الذي كان يسكن الجسد الاجتماعي في حقبة زمنية ما ضية , ولت أزمنة الحواري والتجمعات تحت (إتريك الحارة) , وخروج قوافل الشباب لتنظيف أزقة الحواري قبل ليلة العيد من الأحجار وركام المخلفات المختلفة , ثم التخطيط بين مجموعات الجيران لزيارة بيوت الحارة دون إغفال أي بيت , ويمضي قطار الأيام ويمر بمحطات حضارية مختلفة , ويختفي ذلك الدفء شيئا فشيئا , وتذبل خيوط الشرنقة الاجتماعية ابتداء من الجيران مرورا بالأقارب وحتى أبناء العائلة الواحدة , عصرنة تعصر في طريقها أفئدة كانت رهينة للصخب الاجتماعي , وسحب داكنة من الرسائل الالكترونية وخيوط الشبكة العنكبوتية وفضائيات أغرقت ما تبقى من الزمن الجميل في مستنقع الحضارة الملتهب , وبتنا على شرفة الوقت نرقب تسارع الأيام والشهور وكأنها في سباق معنا لتصل بنا خط النهاية لتعلن للغافلين (End of Life) أو ( انتهت حياتك) .
ربما كانت مسيرة الحياة الاجتماعية معلقة بين عجلات قطار الحياة ولا بد لها من المرور بمحطات مختلفة الأطوار , ولكن لماذا يعجز الإنسان من الحفاظ على مكاسبه الاجتماعية عبر الزمن من ذلك الدفء الاجتماعي الذي غرب مع غروب شمس الحواري ؟
ولماذا نكتفي بقشور التغيير ونحصر أنفسنا بين إطارات التغيير الاجتماعي دون المنظومات الأخرى من الإطارات الحضارية ؟
وفي اعتقادي أن استبدال بيوت الطين والحجر والصنادق والأتريك والفانوس والزير بالبيوت الاسمنتية أو الصناديق الاسمنتية والفلل والقصور , واستبدال الجمل والحمار والحصان باللكزس والمرسيدس والفيراري كلها استبدالات قشرية تحت مظلة الشكل الاستهلاكي والمستعبد والعالة على دعم مجتمعات بعيدة , إن تلك المجتمعات تستطيع خنق ومحو الهيكل الحضاري الذي تغتر به المجتمعات الاستهلاكية المتلقية لكل جديد من تلك المجتمعات البعيدة , ولا شك أن هذه الحضارة (القشورية) ورثت لأبنائها قواعد عامة تبتلعهم من حيث يدركون ومن حيث لا يدركون , فمن تلك القواعد ( أنا ومن بعدي الطوفان ) واستبدلنا مقولة ( أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ) بمقولة ( أنا على أخي وابن عمي والغريب) , كما أصبح الرصيد البنكي أهم من الرصيد الأخلاقي والديني , ونبتت بين ظهرانينا براعم سوء طالت واستطالت وتجردت من روابط الأرض والوطن والمواطنة والدين والأخلاق , فخانت الأمانة وداست على أرواح الأبرياء مقابل ( رشوة أو واسطة أو هجرة لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو لن ينكحها ) .
هذا الأرث الحضاري الذي تفيأنا بظله وسنورثه لأجيالنا القادمة والذين حتما مع تنامي قسوة التغيير عبر كل جيل سيضيفون عليه بصماتهم التي تلوح في الأفق من عقوق ولهاث خلف المادة وارتماء بين أحضان التطور التكنولوجي ومحاربة كل صوت يدعو للتمسك بما تبقى من قيم (إلا ما رحم ربي) , ومع الغرق في التبعية الحضارية وصلب الابداع والتطور الذاتي والبعد شيئا فشيئا عن ملامحنا الاجتماعية العتيقة , وتوقف الحياة بكل نواحيها على ما يقذف إلينا من الشرق أو الغرب (ابتداء من ملابسنا الداخلية وحتى الطائرة التي نسافر فيها ) , سنكون كاللقمة التي تلوكها الأفواه حتى إذا ما فقدت طعمها لفظت كما تلفظ العلكة بعد استهلاكها .
إن المجتمع بحاجة ماسة وظرورية لأن يفتح دفاتره المغبرة , ويخلق ( مكاشفة ) اجتماعية جديدة ليبدأ (إعادة بناء) تبدأ من المواطنة الصادقة تحت ظل ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك ) ومرورا بـ(المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً) وانتهاء (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) . 
إن غياب الوازع الديني والذي يندرج تحت لوائه الوازع الحضاري , يظهر في جسد المواطنة كأسوأ ما يمكن أن يحدث من غياب الإحساس الصادق بالمواطنة وحب الآخرين وعدم الإساءة للوطن , وزرع بذور الشقاء الاجتماعي للأجيال القادمة وما بعدها . كما أن غياب الإحساس بالمسئولية الصادقة يضيع الأمانة التي يقع فوق كاهلها أرتال من الأدبيات الحضارية والمادية والإدارية والأخلاقية فكلنا مسئول عن نفسه وعن رعيته أولا ثم عن الهيكل الاجتماعي المحيط ثانيا . 
إن أخطر ما يواجه أي مجتمع عبر التاريخ البشري هو تضييع الأمانة التي تبرأت منها الجبال وحملها الإنسان الذي ألقى بها في أحيان كثيرة تحت براثن مصلحته الشخصية وكأنه فرد واحد أحد وليس قطعة من لحم ودم داخل منظومة جسدية واحدة إذا تعفنت بجرثومة المد الحضاري بعيدا عن لقاح الأخلاق تعفن سائر الجسد واستكان لبوادر (الغرغرينا) الاجتماعية و (الغرغرينا) المادية و (الغرغرينا) الأخلاقية و (الغرغرينا) الوطنية .
إن الوطن والمواطنة بناء يحمينا من العواصف والتيارات الخبيثة التي تخطف الناس من حولنا , وليس من المواطنة في شيء الاهتمام بقشور الحضارة ونحن نعاني من عجز حضاري يتغلغل في أعماق تفاصيلنا اليومية , فالحضارة ليست مال وبناء وكماليات وتفاخر بالأنساب والأولاد , ولكن الحضارة الحقيقية هي بناء الذات وتملك مفاتيح القوة الاقتصادية والأخلاقية والحفاظ على سائر الجسد الاجتماعي من حمى العولمة المجردة من الإنسانية والاهتمام بالآخر والبعد عن الأنا .
إن تملك مفاتيح القوة الاقتصادية والاكتفاء عن الآخر أو الشراكة المتزنة والتنوع الإنمائي لهو جوهر الأمان بعد الله لمستقبل آمن .
وهذا التغيير المنشود هو أمانة عظيمة ستسألنا عنه أجيال الغد , وينبغي لأي غافل قد أصابه مرض العجز الحضاري أن يعي أن ما يغفل عنه من عجز حضاري هو مرض وراثي سيصيب أبنائه وأبنائهم من بعدهم شعر بذلك أو لم يشعر .
إن السعادة الحقيقية والبداية الصحيحة لبناء حضارة إنسانية يتفيأ الجميع بنعمها وهي البذرة الكريمة التي تخبيء الغد الواعد والمستقبل المطمئن لفلذات أكبادنا تقوم على قاعدة بسيطة المعنى سهلة القول يسيرة الفهم ولكنها عظيمة الغاية وتحوي بين معانيها على لبنة الهيكل الحضاري الراسخ هي ( أحب لأخيك ما تحب لنفسك) , فكل شر تسعى به ولو ( دون أن تقصد أو تقصد ) خلف ظهر الوطن والمواطن هو شر يصيبك كما يصيب الآخرين .
فمن أرتشى فهو عاجز حضاريا .
ومن قطع إشارة المرور فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في مصلحة عامة فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في أرزاق الناس فهو عاجز حضاريا .
ومن تسبب في عناء المواطنين فهو عاجز حضاريا .
ومن ألقى نفايات من سيارته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبث في منشأة ترفيهية أو مقعد على شاطيء البحر أو لوث الحوائط بكتاباته فهو عاجز حضاريا .
ومن عبس في وجهك فهو عاجز حضاريا .
ومن قصر في وظيفته فهو عاجز حضاريا .
ومن حرص في وظيفته على أقل قدر من الجهد ولديه إمكانية التطوير فهو عاجز حضاريا .
وربما لا نهاية لصور العجز الحضاري الذي يمكن أن نعاني منه والذي قد يصادف أيا منا ذات وقت .

أما العجز الثقافي , فربما كان العجز الأكثر إيلاما والأسهل معالجة والذي لم يعد مستهجنا أو غاب عن وجه حياتنا اليومية , فلم يعد للكتاب صحبة وأصبحنا ننظر باستغراب وربما ببعض الاستهزاء بمن ينتظر في مكان ما وهو منهمك في قراءة كتاب ما , وهذا إن وجد , فمن منا عبر ممارساته اليومية المختلفة شاهد شخصا ما وفي أي موقع على خارطتنا المكانية وقد استخلص من أوقات الانتظار أجمل ما فيها ألا وهي الاختلاء بكتاب ما , ولربما استكان آلاف الأشخاص وفي مختلف الأماكن لساعات الانتظار وهم يلوكون الوقت بنظرات شاردة أو مراقبة الرائح والغادي أو إهدار لحظات من العمر في سبيل اللاشيء , لقد غاب الكتاب عن لحظات حياتنا اليومية وصار البعض يعاقره قهرا في سبيل حياة مادية يسعى إليها , وأصبحت المكتبات ترتكن لموظفيها ولأرتال الغبار والتصاق الصفحات , وخلت المنازل من غذاء الروح واستبدل الكتاب بالوجبات الثقافية السريعة وربما المسمومة من (نت و فضائيات , إلا ما رحم ربي) , وربما أخذت الكتب شكلا (ديكوريا) لا أكثر ولا أقل , وربما نجد في بعض المقابلات السريعة عبر بعض البرامج أسئلة بسيطة وتعتبر من مبادئ المعلومات الثقافية ولا تجد من يجيب عليها , وربما ايضا تجد شابا جامعيا لا يستطيع اإجابة عن أسئلة ثقافية سهلة المضمون أو لا يستطيع قراءة آية من القرآن قراءة صحيحة أو ربما بيت شعر لشاعر جاهلي مثلا , لقد مضى زمن المعلم الشامل الذي يستطيع أن يزود طلابه بكافة الوجبات الثقافية من قراءة ونحو وصرف وتاريخ وحساب وإملاء وحل محله المعلم المتخصص الذي يعجز ربما في توصيل تخصصه بطريقة سلسلة لطلابه , وظهرت نظريات (دفه لا تنشب فيه) بدلا من الحرص على نجاحه بجدارة (إلا من رحم ربي) , 
وما أسوأ العجز الثقافي حين تجد صاحب الشهادات العليا لا يستطيع كتابة جملة مفيدة دون خطأ أو لا يستطيع إلقاء خطاب دون أن يرفع المفعول وينصب الفاعل ( ذات مرة حضرت ندوة في جامعة ما وكان المحاضر رئيس قسم اللغة العربية ورصدت أكثر من عشر جمل يرفع فيها المفعول وينصب الفاعل ) .
إن تناول الثقافة عن طريق (الفضائيات أو النت) أشبه بالحقنة الموضعية التي تأخذ لعلة محددة ولكنها لا تشفي كافة البدن من علله , ولا ينتج عنها الإحساس بلذة ومتعة تلقي لطائف الكتب ورحيق الكلمات , إن احتضان الكتاب ومجالسته والتنقل بين عوالمه بهدوء وروية دون ضجيج الأضواء والأصوات لهو محض نشوة تجتاح الروح وتأخذ بالفكر والعقل والوجدان لعوالم مدهشة .
إن الخروج من ضائقة العجز الثقافي ليس لها حل سحري أو علاج خرافي أو نصائح خبير , ولكنه وبكل بساطة العودة لرياض الكتب وبدء التعود على صهر جزء من الوقت المهدر في الانتظار أو العبث أو استنزاف هذا الوقت في مواد لا تسمن ولا تغني من فكر , إن بداية اتخاذ مثل هذا القرار حتى ولو شابه الكثير من عدم القناعة الذاتية أو الإحساس بعدم الرغبة في خوض مثل هذه التجربة التي اصبحت غريبة علينا لهي كافية في زرع بذرة الحب الفطري للثقافة التي فقدناها بعد وقوعنا تحت عجلات قطار العجز الحضاري والثقافي .
إن وقوع أي مجتمع بين سندان العجز الحضاري ومطرقة العجز الثقافي لهو كاف لخلق أجيال جوفاء ومجتمعات اتكالية طفيلية , تنمو للداخل حتى تتبلد وتتعفن وتموت .
فابدأ بنفسك , 
فما أنت إلا جزء من كل , 
وإذا صلحت صلح الكل , 
وصلح اليوم , 
وصلح الغد لأجيال الغد الذين هم أبناؤنا وأحفادنا ,
فإما تركناهم يترحموا علينا أو يلعنونا .
ـــــــــــــــــ

العولمة والتونسة بين الذهول والمجهول


العولمة والتونسة

بين الذهول والمجهول

حقبة زمنية عربية نشهدها أو نشهد عليها ربما يصعب تكرارها عبر الحقب التاريخية , فنحن في عالمنا العربي وربما لأول مرة نشهد وبذهول تحقيق فحوى بيت من قصيدة الشاعر التونسي العظيم أبو القاسم الشابي :
( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر )
لقد كانت قراءة مثل هذا البيت من الشعر العربي لا يخرج عن كونه خيال لشاعر عربي ومجرد سحر البيان الذي تمثله اللغة العربية , ولكن التونسيون حولوه لواقع مفروض وبركان تاريخي شعبي لم يخضع للمزايدات السياسية والمراهنات الفئوية .
ربما من أخطر المدلولات في الحقبة التونسية هو خروج شعب بأكملة حاملا مطلب واحد محدد ويحملون قبله الإصرار التام للوصول لتلك الغاية , حالة غير مسبوقة في التاريخ العربي بالذات وهي نظرة أجمع عليها المراقبون , وربما من المذهل وما يعتبر نقلة نوعية أن تحقق الجماهير مطلبها بهذه السرعة وضد أشرس نظام بوليسي عربي , ومما أذهل المتابعين للساحة السياسية العربية سرعة التجاوب من بعض المجتمعات العربية وبدء سريان تلك الشرارة هنا أو هناك , ولا يستبعد أن نجد تغييرا قريبا يعصف بكل التوقعات والاحتمالات وما يفوق نظرة المراقبين ربما , فهل سنشهد قريبا تغييرا لأغلب الأنظمة العربية بعد فك رموز المعادلة الصحيحة لنيل الحقوق على يد التونسيين ؟
سؤال مذهل , والإجابة عليه ربما لن تكون متوقعة أيضا .
إن ظهور غيوم العولمة على عالمنا المعاصر لتشابك المصالح وتلاقح المجتمعات عبر وسائل الاتصالات المذهلة وتأثير المناخات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من مجتمع على آخر بسرعة رقمية مذهلة كما ساهمت هذه المنظومة كثيرا في تفاقم الحالة التونسية والمصرية واليمنية .. وما يظهر بعدها .
إن حالة الذهول التي سادت المجتمعات العربية للحالة التونسية لم يكد يفق منها ليصحوا على بدء الحالة المصرية وولادة الحالة اليمنية بشكل أقوى من ولادته السقيمة قبل أشهر بعد تجرعه للقاح التونسي , وربما المجهول يعد لنا الكثير من حالات الذهول الغير متوقعة قريبا .
هذا المجهول لم يعد خاضعا كما مضى لعصي رجال الأمن ولا لخراطيم المياه ولا لأسوار المعتقلات , ويبدو أن حقبة (الكرنك) قد ولت فعلا ومحيت من تاريخ الغد بالممحاة التونسية المذهلة .
إن عصر العولمة مر بالمجتمعات العربية بطيئا رقيقا ينظر إلينا على استحياء للنقص الكبير في عقليات المجتمعات العربية لأنها لم تنضج حضاريا ربما , ولأنها مجتمعات تتلقى كل مظاهر الحياة من الحاكم الأوحد فإن أصاب صفقوا له وإن أخطأ صفقوا له أيضا ولو تحت مبررات يقبلها قهرا تارة وجهلا تارة أخرى .
إن العولمة العربية الحديثة الوليده الممزوجة بالطاقة التونسية فتحت بابا لا يكاد يغلق من التوقعات المجهولة في الغد القريب , وهذا المجهول لا يخضع لمنطق أو لفكرة أو لمعقول متوارث كما نعرفه , إنها حالة جديدة , خاصة , أشبه ما تكون بانقلاب اجتماعي على ثقافة ابن خلدون المتوارثة في فكرته عن المجتمعات , إنها عصرنة زلزلة الثقافة الاجتماعية والسياسية العربية من جذورها , ويبدو أنها أرست قواعد جديدة تمهد لأرضية جديدة بين الحاكم والمحكوم .
وسيظل هذا الغد مجهولا حتى ينكشف عنه الغطاء التاريخي فإما تنقلب الموازين المتعارف عليها في ثقافتنا العربية وإما يتوقف هذا الغد المجهول عند الحالة التونسية وتصبح حالة إنسانية شاذة أذهلت العالم العربي فترة من الوقت فقط .
ولكن هناك سؤال ينبعث من بين هذا الركام الهائل من الأحداث التونسية والمصرية واليمنية وما يتبعها , ألا وهو أين تكمن تلك الشرارة التي يمكن أن ترسم ملامح هذا الغد المجهول لأي مجتمع عربي بالذات ؟ وكيف يمكن للأنظمة أن تتلافى هذا البركان الاجتماعي والسياسي الوليد ؟
لا شك أن الإجابة واضحة ومحددة ألا وهي ...
غياب العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والتي لخصها بعد فوات الأوان (بن علي) بقوله " أنا فهمتكم " ولكن كما قلت بعد فوات الأوان , ولكن الأوان لم يفت لغير بن علي , بل على العكس لقد منح (بن علي) بقية الحكام العرب الحل السحري الذي يضمن الوقوف ضد هذا المد البركاني التونسي التاريخي المذهل ألا وهو :


تحقيق العدالة بكافة صورها حتى تفتح جسورا جديدة من الثقة بين الحاكم والمحكوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شيفرة الشابي


شيفرة الشابي

أبو القاسم الشابي المتوفي سنة 1934م , ربما لو قرأنا قصيدته المشهورة
هذه في ذلك الوقت لم تكن تعني لنا غير (ويقولون ما لا يفعلون) مجرد كلمات
أطلقها شاعر عربي من فوهة إن من البيان لسحرا , وكم تغنت الشعوب بهذه القصيدة وخاصة مطلعها :
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
وربما لم تقرر الشعوب يوما إرادة الحياة كما أرادته بدءا بتونس مرورا بمصر وما تعج به الساحة العربية مؤخرا من انتفاضة لإرادة تلك الشعوب , فعندما كانت الأحزاب المعارضة والتنظيمات السرية تحاول فرض إرادة الحياة منذ ظهور الدول الحديثة , إلا أنها لم تفلح في تعزيز إرادة الشعوب بالشكل الانقلابي المذهل الذي نشهده منذ الثورة التونسية وما بعدها , وربما من المفارقات العجيبة أن يظهر مواطن تونسي من حيث ظهر أبو القاسم الشابي ليشعل الشرارة الأولى لإرادة الشعوب نحو الحياة , إن شفرة الشابي التي غفلت عنها الشعوب ردحا من الدهر هي ( إرادة الشعب ) أي كل الشعب , هذه الشفرة بمعادلتها البسيطة تعني : إرادة الشعب = الحرية .
ولكن الشابي ربط بين تحقيق هذه الإرادة وبين استجابة القدر هو اختيار كافة الشعب لهذه الإرادة , فالمصريون مثلا لم يأملوا يوما بتحقيق إرادتهم عبر حياتهم السياسية الطويلة ولم يتوقعوا يوما أن ينالوا مبتغاهم خلال أيام قليلة إلا بعد تحقيق وحل شفرة الشابي التاريخية , فاللمصريين تاريخ سياسي حافل سواء من خلال المعارضة أو المؤامرات السياسية والحروب الطاحنة بين الجهات الأمنية عبر تاريخها ومسمياتها المختلفة وبين إرادة جزء من الشعب وليس كل الشعب , فمعادلة الشابي كانت غائبة عن المشهد السياسي دائما , ولكن تلك المعادلة حلت تاريخيا وربما بالصدفة المطلقة على أيدي مجموعة من الشباب والتي جيشت الشعب كاملا لتحقيق إرادة الحياة وكما قال الشابي :
فعجت بقلبي دماء الشباب
وضجت بصدري رياح أخر
وربما هذا ما يفسر فشل رياح التغيير في بلدان أخرى , وبصورة أدق لأنها تعبر عن إرادة جزء من الشعب أو ربما أقلية قليلة منهم وليست كل إرادة الشعب أي أن (شفرة الشابي) لم تحل عند تلك الشعوب أو لم تكن الظروف صالحة لاكتمالها .
لا شك أن الشعوب هي التي تمنح نفسها إرادة الحياة , وحتى تلك الشعوب التي تحاول تمرير أجندات خاصة بفئة من الشعب مع تجاهل بقية الشعب لن تكتب لها النجاح في تحقيق حل تلك الشفرة التاريخية , فالمعادلة دقيقة بشكل مذهل لأن أهدافها ونتائجها لا تقل عنها دهشة وذهولا في إحداث تلك التغييرات المذهلة التي نشاهدها هذه الأيام , (إذا الشعب يوما أراد الحياة , وليس إذا جزء من الشعب أراد الحياة ) .
إن غياب العدالة الشاملة في أي مجتمع تعتبر تلك هي الأرض الخصبة لنمو بذرة الإرادة العامة للتغيير , وتعتبر الحروف الأولى لحل ( شفرة الشابي ) .
وربما حل تلك الشفرة بعد ولادة هذه المعادلة التاريخية بأكثر من 80 عاما يعتبر تغيرا نوعيا خطيرا في حياة الشعوب المستقبلية , وها هي أقوي الأنظمة البوليسية التي عرفها العالم العربي تنهار نظاما وراء نظام وبتوقيت لم يكن إلا ضربا من المستحيلات قبل أشهر قليلة , ولكن إرادة الشعب إرادة كاملة قدرت على ضمان استجابة القدر لإرادتها , بعيدا عن المؤامرات والتخطيطات السرية والتحالفات المشبوهة والثورات الفئوية والمسيسة والمتأمرة أو تشرذمات المعارضة .

إن (شفرة الشابي) التي لا تخطئها الحرية هي إرادة الشعب ( وكل الشعب ) وليس فئة منه فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبقرية الفناء 

عبقرية الفناء

عوامل إبادة كثيرة تحيط بهذا المخلوق المسمى (إنسان) ففي عالم الخفاء المجهري قضى هذا الإنسان ومازال يقضي أنواعا من الجهود الوقتية والمادية والبحثية والتي أوقف بعض بني البشر حياتهم رهنا لمكافحتها والحد من خطرها عليه , وما بين كر وفر قضى الإنسان على بعض منها ومازال يكابد العناء المر مع بقيتها الأكثر , ورغم تدرج خطر تلك المخلوقات المجهرية على حياة الإنسان إلا أنه لم يكد يقضي إلا على النزر اليسير منها وآثر مرغما على التعايش مع بقيتها الأكثر بالمهادنة عبر العقاقير تارة وعبر الخضوع والاستسلام تارات أخرى , ومازالت جيوش ذلك العالم الخفي الرهيب تحصد الآلاف من أرواح المخلوق الأعظم والأذكى على سطح الأرض , إنها حرب ساخرة , مضحكة , مبكية بين هذا المخلوق العاقل الذكي المغرور الذي غاص في المحيطات وخرق الأجواء وصنع العجائب الصناعية والحضارية والثقافية عبر تاريخه وبين تلك المخلوقات (الحقيرة , الخفية , القذرة , التي لا تملك أي مصدر من مصادر القوة والعقل والرقي ) , والمضحك في تلك الحرب أنها غير متكافئة بين قوى عاقلة مدججة بالعلم والمال والإمكانات والمعامل وعباقرة البحث العلمي وبين تلك المخلوقات المجهولة المتوارية في الظلام العاملة في الخفاء , المشوهة الخلقة أو الفاقدة للخلق السوي , ولكنها كانت ومازالت تهزم ذلك المخلوق العبقري العاقل المتحكم بحضارة الكون , وهذا هو الوجه المبكي في تلك الحرب الأزلية .
وأعجب ما تنطوي عليه تلك الحرب الضروس هو القدرة العجيبة لتلك المخلوقات الظلامية الهلامية الحقيرة على تطوير ذاتها والخروج عبر فترات زمنية بأسلحة جديدة وأساليب دمار قاتلة يجهل الإنسان غالبا كيف تولد وتنمو , تلك المخلوقات لها قدرة عجيبة على التغيير والتطور والتوالد عبر أجيال مختلفة , وما لها من قدرة عجيبة على خلق وتطوير أدوات مقاومة لما ينتجه الإنسان من عقاقير مقاومة له , وربما نسمع أحيانا أنها ليست إلا نتاج معامل هذا الإنسان الذي يحرص كل الحرص وبغباء شديد لا يتوافق مع نظرية العقل البشري المتفوق في خلق عناصر الدمار لنفسه أولا ولبيئته ثانيا , وكأنه لم يكتف بما تقذف به مصانعه من أسلحة دمار شامل وعبث في البيئة وحرب النجوم وأسلحة بيولوجية وكيميائية , إلى آخره مما تطالعنا به وسائل المعلومات كل يوم .
إن الإيدز و آي كولاي وغيرها من أمراض العصر الحالي الجديد ليست إلا نوعا من أنواع الحرب المعلنة على بني البشر من تلك المخلوقات المجهرية سواء كانت من تطوير ذاتها أم من تطوير الإنسان إلا أنها تظل عدوا مستقلا له خصوصيته وتقنيته الخاصة , وحتما لن تكون هذه آخر التحديثات الميكروبية والفيروسية طالما ظل هذا الإنسان مغترا بحكم هذا العالم , والمستقبل حافل بالتوقعات المطلقة , فإما انتصار لبني البشر على ذلك العالم الخفي ذات يوم انتصارا نهائيا أو العكس فتنجح تلك المخلوقات في إنهاء الوجود البشري , أو ربما تظل الحرب سجال ما بقي البشر .
ومازالت ذاكرة التاريخ لم تنس الطاعون والجدري وأنفلونزا الخنازير والطيور وآيبولا والإيدز وأخيرا وليس آخرا (آي كولاي) ذلك الوجه المرضي الجديد الذي لا نعلم كيف ستنتهي واقعة مقاومته من قبل البشر أو مدى انتشاره حتى الآن , ولكنه يظل وجها مخيفا من وجيه تحديث الحرب بين البشر والبكتيريا أو الفيروسات .
إن هذا الإنسان لم يكتف بمحاربة أعدائه من الجراثيم والميكروبات التي خلقها الله أو التي أفرزتها معامله , فهو يبحث عن كل جديد يقاوم وجوده وسعادته عن طريق المعامل وما تنتجه من أسلحة كيماوية وبيولوجية وأسلحة دمار شامل ليستخدمها البشر بعضهم ضد بعض .
هذا المخلوق العجيب (الإنسان) لم يكتف بصنع أعداء له عبر معامله وبيده , بل مارس القتل والإبادة لعنصره البشري عبر الحروب المختلفة والتي أودت ربما بما لم تستطع الطبيعة والميكروبات على فعله , ورغم ممارسته اليومية في تصفية بعضه البعض كما تطالعنا وسائل المعلومات يوميا إلا أنه مازال يمتلك القدرة على مقاومة جبروت الطبيعة التي أرسلها الله له , فموجات تسونامي والفيضانات المختلفة على قدر قوتها والزلازل والبراكين والتصحر والمجاعات والفيضانات وحرائق الغابات والتفجيرات هنا وهناك .
هل هذا المخلوق(الإنسان) فعلا يملك كل هذه القوة والجبروت والطاقة والصبر وحب البقاء والإبداع والفن والحضارة والتخطيط وبناء المعجزات الإنشائية والطبية والثقافية , وفي نفس الوقت يملك الوقت والقوة على مقاومة قوى الطبيعة وقوى الشر من بنيه وقوى العالم المجهري ؟
عندما تطالعك قنوات المعلومات المختلفة عبر برامجها الإخبارية تدهش من هذا الكم من الدمار عبر العالم , فمن الكوارث الطبيعية للتفجيرات للحروب للانقلابات السياسية وما يتبعها من مقاومة ثم قتل وتشريد وتغيير للأنظمة للمجاعات والفيضانات وظهور أمراض جديدة مرورا بالصراعات العنصرية والهجمات والهجمات المضادة والتفجيرات الانتحارية والكوارث الاقتصادية واعتداءات الدول بعضها على بعض وأخبار الفساد الشامل في كل مكان , وازدياد مساحة الفقر مقابل الثراء الفاحش الفاسد , وسرقة الأموال العامة تفشي الجريمة بكل أوجهها , ثم أخطار المحتملة والقادمة من الفضاء الخارجي عبر النيازك والشهب وثقب الأوزون , وربما اصطدام كويكبات صغير بالأرض كما يتنبأ بعض العلماء .
وفي المقابل تجد هذا المخلوق (الإنسان) في صورة أخرى يمارس حياته اليومية بكل ما فيها من أمل وطموح لغد أفضل , فأخبار المعامل والاختراعات تنبئ بغد أفضل , ومازال البشر ينشئون المدن والمنشآت الحضارية المختلفة , وما زال يسبر أغوار الفضاء وأعماق المحيطات , ومازال البحث حثيثا عن أسرار الجسد البشري مما يومئ بغد خال من الكثير من أمراض اليوم , ومازالت مدن العالم تعج بالفعاليات الفنية ومظاهر السمر والفرح وتلألؤ أنوار الفنادق والشواطئ عبر مدن العالم والاحتفالات المختلفة وانتشار الفعاليات الفنية من سينما ومسرح وموسيقى في كل مكان , وكأنك في عالم مختلف عن ذلك العالم الذي تشاهده عبر القنوات الإخبارية المختلفة .
ما أعجب هذا الإنسان , كيف يستطيع من أن يعيش خلال تلك الأوضاع المتنافرة , فهو يصنع سعادته بيد وباليد الأخرى يصنع موته ودماره ودمار بيئته .
لا شك أن الحقيقة تكمن عند خالقه وحده , فهو الخالق الحكيم الذي أنزل هذا الإنسان للأرض ووهبه سبل البقاء كما وهبه سبل الفناء التي تكفل لجميع المخلوقات نوعا من التوازن البيئي لتستمر الحياة بشكل متوازن قادر على منحه حياة أفضل , فماذا لو استثمر هذا الإنسان عقله بكل كفاءة في حدود الخير مع تنحية مصادر الطبيعة الأخرى من أذيته ومحاولة فناء جزء منه , هل يستوعب هذا العالم التكاثر البشري الخالي من عوارض الفناء من مرض وحروب وكوارث طبيعية وبيئية وميكروبية , ألا تفسد السعادة والنماء المطلق وموت روح التنافس للأفضل معنى الحياة وتنوعها المحرك لكل رغبة في الحياة الفضلى ؟
إن وجود الأمراض والكوارث والحروب وحب السيطرة هي عوامل إيجابية تجعل لك مخلوق هدف وخطط ورغبة وأمل في ما يمكن إنجازه في الغد سواء أكان خيرا أم شر , فلا وجود للخير المطلق ولا للشر المطلق .
وما صور الموت المختلفة التي يتجرعها بني البشر يوميا سواء كانت بيده أم بيد الطبيعة إلا صورة من صور توازن الطبيعة بينه وبين نفسه أولا وبين بيئته ثانيا , فعالم بلا موت يعني حاجة بشرية أكبر بكثير من قدرة أمنا الأرض على احتضانهم , وبالتالي سيولد الموت مرة أخرى من التنافس على عطاء أمنا الأرض الذي لن يكفيهم بالكاد جميعا , وربما مات البعض ليعيش الآخرين .
ويبقى السؤال الأكثر غرابة :
كيف يساهم هذا المخلوق العبقري مع كل قوى الطبيعة الأخرى على تسخير عبقريته أحيانا كثيرة في خلق طرق جديدة لفنائه كل يوم ؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــ


شيء من الحزن عبر صباح .... ما

هذا الصباح توجهت لمطعم ما .. قررت أن آخذ بعض فطور وأذهب لبيتي وأفطر مع زوجتي .. كنت لم أزل أفكر في أخ زميلي الذي توفي فجرا . لم أشاهده إلا مرة واحدة ومنذ فترة طويلة . هذا الصباح ككل صباح يتوجه الكثير من الناس لجلب شيء ما ( خبز - تميس - فول .. أي شيء ) , هل كان (حاتم) يخطط ليلة البارحة أن يصحو باكرا ( مثلي ) لجلب شيء ما ليفطر مع زوجته وأولاده ( لا أذكر إن كان متزوجا أم لا , ولم أسأل ) , هذا الصباح استقبلت والدته وإخوته شمسه بدون (حاتم) , والفرق ساعات قليلة فقط ليسدل الستار على نفس بشرية كان لها خطط وطموحات وأحلام .

ربما غدا .. سيأتي من يدخل ذات المطعم ويقول قبل ساعات قليلة كان عادل ينتظر صباح هذا اليوم ليحمل شيئا من طعام لزوجته وأولاده , ولكن القدر لم يمنحه تلك الساعات القليلة , سيكون كل شيء كما هو عندما مات (حاتم ) الشوارع – المطعم – السيارات – نسيم الصباح – الناس في المطعم والشارع السوبرماركت هذا المستوصف – والصيدلية – والطلاب المتوجهين إلى مدارسهم .

من سيذكرك يا عادل ؟؟

أنا أعرف لن يتذكرني في ذلك الصباح إلى اثنين فقط ( زوجتي وأمي ) .

رحمك الله يا عادل ,, جئت بهدوء ورحلت بهدوء ,, كنت من الذين إذا جاؤوا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا .

كنت تظن انك وتحلم أنك إنسان غير عادي , وإذا بك تموت ليكتشف الجميع أنك أقل من أن تكون رجلا عاديا , أكاد أرى كل من يعرفني يأتي لمراسم العزاء ( كما حصل مع حاتم ) , يتحدثون يبتسمون ويتواعدون على العشاء بعد العزاء , ويتركون الدموع ( لأم حاتم وزوجته فقط ) .

سيكون لموتي طعما أخر ( لولاك يا أمي ويا زوجتي ) .

الفاتحة .
ـــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ